لا يختلف اثنان على أن المقاومة حققت انجازا نوعيا كبيرا في معركة جرود عرسال بانهاء «النصرة» وملحقاتها، وان اكتماله سيكون بالقضاء على «داعش» في باقي المناطق الجردية الشرقية.
ومما لا شك فيه ان تداعيات هذا الانتصار الجديد ستكون كبيرة، وستتجاوز الساحة الداخلية اللبنانية باعتبار ان هذا الانتصار يشكل مفصلاً مهماً من مفاصل المعركة ضد الارهاب التكفيري يوازي الانتصارات التي حققتها المقاومة في القصير وجرود القلمون السوري التي تعتبر امتداداً طبيعياً وجغرافياً للجرود الشرقية.
وفي قراءة اولى لما يجري يمكن القول ان الغطاء السياسي لهذه المعركة مؤمن على المستوى الرسمي والشعبي بغض النظر عن مواقف قليلة وبيانات صغيرة لا توازي حجم الاجماع اللبناني الواسع الذي واكب ويواكب انتصارات المقاومة.
فعلى الصعيد الرسمي برز موقف الرئيس ميشال عون خلال ترؤسه اول امس اجتماعا أمنيا بتأكيده «ان نتائج التطورات الميدانية الاخيرة ستكون ايجابية على صعيد الحدّ من اعتداءات الارهابيين وممارساتهم ضد المدنيين والعسكريين على حدّ سواء. وستعيد الأمن والاستقرار الى الحدود».
وعبّر الرئيس بري بوضوح عن نبض الرأي العام عندما قال امام زواره «ان جرود عرسال منطقة لبنانية محتلة ومن واجبنا ان نحررها، وان ما تقوم به المقاومة هناك من حرب على الارهابيين تقوم به نيابة عن كل لبنان واللبنانيين، تماما كما قاتلنا العدو الاسرائيلي في الجنوب».
وبغض النظر عن بيان «المستقبل» الاخير فقد اعلن الرئيس سعد الحريري امام مجلس النواب في جلسته الاخيرة عن موقف يتجاوز البيان المذكور بكلامه عن «العملية المدروسة» لمعالجة وجود الارهابيين في الجرود الشرقية.
اما على الصعيد الشعبي فان ما عكسته المواقف الاخيرة أكان على مستوى التصريحات والبيانات او على صعيدوسائل التواصل الاجتماعي يظهر حجم التعاطف والتأييد الشعبي للمقاومة في معركتها ضد الارهاب على القمم والتلال وفي اودية الجرد الشرقي، ناهيك عن بعض المواقف الصادرة عن نواب وكوادر واشخاص محسوبين على «تيار المستقبل» وجهات اخرى في الفريق السياسي غير المنتمي لصفوف او اطراف المقاومة.
ويقول مصدر سياسي مطلع ان العملية التي تقوم بها المقاومة لم تنطلق بغطاء دولي مباشر، لكنها اكتسبت وتكتسب عناصر اساسية للغطاء المفترض، وفي مقدمها محاربة الارهاب، ويلفت الى انه لم يصدر اي موقف او بيان مناهض لها، ما يؤكد انها فرضت وتفرض نفسها من خلال الانتصار الذي تحقق على المجموعات الارهابية، ويعكس في الوقت نفسه حجم الارباك لدى بعض الدول وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية حيال التطورات الاخيرة في المنطقة.
ويؤكد المصدر «ان هذه المعركة هي معركة وطنية بامتياز بدليل حجم التعاطف الرسمي والشعبي معها، وما حققته وتحققه من نتائج على صعيد محاربة الارهاب وتحصين استقرار وأمن لبنان بأسره».
ويضيف بأن ما قامت وتقوم به المقاومة «يكتسب مشروعية وطنية بامتياز كونها تحرر ارضاً لبنانية محتلة، وتقاتل الجماعات الارهابية، وتدافع عن جميع اللبنانيين الذين كانوا وما زالوا هدفاً لعمليات هذه الجماعات الاجرامية التي طاولت الجيش اللبناني، عدا عن دفاعها ايضاً عن عرسال التي استبيحت من قبل هذه المجموعات».
وبرأي المصدر ان حزب الله لم يخض هذه المعركة وقبلها المعارك الاخرى ضد الارهاب، لكي يوظف انتصاراته في الداخل اللبناني، لا بل ان التجارب السابقة اثبتت ان التوظيف السياسي لمثل هذه المعارك ليس في ذهن وعقل الحزب، بدليل سعيه الدائم الى المشاركة والتوافق بين كل الاطراف اللبنانية في الحياة السياسية وحجم مشاركته المتواضع – ان صحّ التعبير – في الحكومة والذي لا يوازي حجمه الشعبي والنيابي والسياسي.
من هنا فان نظرة الحزب لهذه المعركة هي نظرة وطنية شمولية تنطلق من مبادئ وعناصر عديدة ابرزها:
– انخراطه في الحرب على الارهاب الممتدة من العراق الى سوريا الى لبنان.
– حماية لبنان وتحرير كل بقعة منه أكان من العدو الاسرائيلي او من المجموعات الارهابية التي انتشرت في مناطق جردية واسعة على الحدود الشرقية.
– التزامه بتحالف المقاومة والممانعة في وجه مشروع الهيمنة والتفتيت الذي تشكل اسرائيل احد ركائزه في المنطقة.
ويقول المصدر السياسي المطلع ان الاحداث والتطورات اثبتت بأن من حارب ويحارب «داعش» و«النصرة» هو هذا التحالف الذي تدعمه روسيا وتنخرط فيه ايران وسوريا والمقاومة في لبنان، اما الولايات المتحدة وبعض حلفائها فانهم لم يثبتوا في كل هذه الحرب جدّية في محاربة الارهاب.
ويرى ان هناك حلقة متكاملة في المعركة ضد الارهاب والانتصارات التي تحققت حتى الان، بدءاً من حلب والمناطق الاخرى في سوريا، مروراً بالموصل التي لعب الحشد الشعبي دوراً رئيسياً في تحريرها، وانتهاء بانتصارات المقاومة في لبنان أكان من خلال معركة القصير الحدودية او معركة جرود عرسال اليوم.
وعلى صعيد نتائج هذه المعركة فان الابرز فيها استنادا للمعطيات السابقة هي:
– انهاء وجود الجماعات الارهابية من المناطق الجردية الشرقية وتحرير هذه المناطق الواسعة واعادتها الى سلطة الدولة اللبنانية.
– تعزيز موقع لبنان وقدرته على محاربة الارهاب.
– تحصين وتعزيز الاستقرار والامن الداخليين.
– ازالة الموانع والمناطق الخاضعة للارهاب على الحدود بين لبنان وسوريا، ما ينعكس ايجابا على البلدين.
– التخلص من احد العناصر السلبية الضاغطة في السعي الى معالجة ملف النازحين السوريين الذي سيفتح في مرحلة لاحقة.
– تحرير عرسال من يد الارهاب التي كانت تقبض على أمن وحياة وارزاق اهلها، وبالتالي اعادة هذه البلدة اللبنانية العزيزة بصورة كاملة الى كنف الدولة على كل المستويات الامنية والانمائية.
– الانصراف الى اعادة ترتيب وتنظيم مخيمات النازحين في المنطقة، وقطع الطريق نهائياً عن محاولة استغلالها من قبل الجماعات الارهابية.