Site icon IMLebanon

حزب الله ــ إسرائيل: فات أوان الردع والتدمير الأُحادي

بعد أكثر من عقد، لا تزال بعض السجالات، في الساحة الإسرائيلية، تتركز على أسباب فشل جيش العدو في الحرب ضد حزب الله عام 2006. ولا يزال تقاذف المسؤوليات بين القيادتين العسكرية والسياسية هو السائد، ترجمة للمبدأ القائل إن الفشل يتيم الأبوين، فيما النصر له ألف أب وأم.

على هذه الخلفية، يردد بعض القادة العسكريين أن أحد الأخطاء الأساسية التي ارتكبتها القيادة السياسية خلال تلك الحرب، أنها لم تبادر، منذ أيامها الأولى، إلى تدمير البنية التحتية للدولة اللبنانية، الأمر الذي كان يمكن أن يؤدي إلى تغيير مجرى الحرب ونتائجها.

ينبغي القول، بداية، إن تقدير نتائج أي استراتيجية عسكرية بديلة من تلك التي نفذها جيش العدو، يبقى، في أحسن الأحوال، نظرياً وفي إطار الفرضيات. وتبقى أي مقاربة نقدية في الساحة الإسرائيلية لخيار الحرب على حزب الله، قبل 11 عاماً، في إطار «حكمة ما بعد الفشل والهزيمة».

الطرح الذي قدمته قيادة جيش العدو في حينه باستهداف البنية التحتية اللبنانية، كان يستند إلى الرهان على نجاح عملية «الوزن النوعي»، التي كان يفترض أن تسلب حزب الله القدرة على الرد في العمق الإسرائيلي بعد تدمير قدراته الصاروخية البعيدة والمتوسطة المدى. بل يمكن القول إن كل الرهانات الإسرائيلية في تلك الحرب كان منشأُها هذا التقدير الذي تبين لاحقاً خطأه. فبعد سنوات، كشف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أن تلك العملية لم تكن سوى «وهم نوعي»، مؤكداً أن جيش العدو لم ينجح في تحقيق هدفه من وراء تلك الضربة الجوية.

وعلى المستوى الميداني، كشفت مجريات الحرب أن حزب الله بقي محتفظاً بقدراته الصاروخية، ما مكّنه من مواصلة استهداف العمق الإسرائيلي حتى اليوم الأخير من الحرب، وهو ما يؤكد عملياً أن الضربة الجوية الإسرائيلية لم تحقق أهدافها المأمولة، إضافة إلى ما كشفه فرض السيد نصر الله خلال الحرب معادلة «بيروت ــ تل أبيب» (وهو ما سيرد لاحقاً أيضاً).

صحيح أن الاستهداف الواسع للبنية التحتية اللبنانية كان سيسبب المزيد من الدمار. ولكن تحضر في مقابل هذا الخيار، مسألتان: الأولى حول علاقة ومدى خدمة هذه الاستراتيجية في تحقيق هدف الحرب في حينه. والثانية، حول خيارات إسرائيل إذا رد حزب الله باستهداف تل أبيب، رداً على استهداف البنية التحتية للدولة اللبنانية.

بعد العدوان العسكري الذي نفذه جيش العدو رداً على عملية الأسر، كان بإمكان إسرائيل أن توقف عدوانها نتيجة أنها نفذت رداً غير تناسبي على العملية، وبالتالي كان يمكن أن تتوقف الحرب في اليومين الأولين. وبالمناسبة، أطلقت إسرائيل على عدوانها في بدايته «الجزاء المناسب»، وهو ما يشير إلى أن الضربات الأولى كانت تحت عنوان ردّ الفعل. لكنها عادت وغيَّرت الاسم إلى «تغيير الاتجاه»، انسجاماً مع هدف الحرب التي بادرت إليها، كما أكد تقرير فينوغراد، انطلاقاً من أنه كان أمامها مجموعة من الخيارات البديلة.

لن نكرر أهداف الحرب التي كُشف عنها في حينه وفي مناسبات مختلفة، من ضمنها ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه إيهود أولمرت في كلمته أمام الكنيست بعد سبعة أيام على الحرب، بالقول: «إن الشرق الأوسط بعد الحرب لن يكون كما قبلها». والموقف الشهير لوزيرة الخارجية الأميركية، آنذاك، كوندوليزا رايس، التي رأت في الحرب مقدمة لإنتاج شرق أوسط جديد. وبناءً عليه، يحضر السؤال: كيف كان لاستهداف البنية التحتية اللبنانية أن يحقق هدف سحق حزب الله، الشرط الإلزامي لإنتاج شرق أوسط إسرائيلي ــــ أميركي؟

نعم، كان يمكن أن يحقق التلويح باستهداف البنية التحتية هدفاً ردعياً، ولكن الهدف الإسرائيلي في حينه لم يكن أقل من تدمير قدرات حزب الله وشطبه من المعادلتين اللبنانية والإقليمية.

أيضاً، أثبتت مجريات الحرب أن حزب الله لم يستنفد قدراته الاستراتيجية في الرد على العمق الإسرائيلي، وهو ما برز في نجاحه في فرض معادلة «بيروت ــ تل أبيب»، التي حمى من خلالها العاصمة اللبنانية. ثم تبين لاحقاً أن حزب الله كان يملك في حينه صاروخ فاتح 110 (كشف عن ذلك أمينه العام في إحدى المقابلات الصحافية).

تثبت هذه المحطة المفصلية في الحرب أن الإسرائيلي كان سيجد نفسه، في حال التلويح أو البدء بتنفيذ خيار استهداف منشآت الدولة اللبنانية منذ الأيام الأولى، أمام خيار الرد باستهداف تل أبيب منذ الأيام الأولى أيضاً، وهو ما كان سيضع صانع القرار الإسرائيلي أمام امتحان وخيار صعب، وقد ثبت لاحقاً أنه غير مستعد للمغامرة بالتسبب بدفع حزب الله إلى استهداف عاصمة كيانه، وهو ما برز تحديداً عندما انكفأ العدو أمام تهديد السيد نصر الله.

في كل الأحوال، تندرج هذه المناقشات التي لن تغير من الواقع شيئاً، ولا من صورة الحرب ونتائجها، ضمن إطار تقاذف المسؤوليات عن نتائج الحرب التي شكّلت محطة مفصلية في تاريخ الصراع مع إسرائيل، وأدت إلى إنتاج معادلات إقليمية، وأدخلت مفاهيم جديدة في الصراع، وحفرت عميقاً في وعي صنّاع القرار في تل أبيب.

أما الآن، وبعد مضي أكثر من عقد على تلك الحرب، باتت طروحات استهداف البنية التحتية للدولة اللبنانية، تندرج ضمن إطار محاولة تعزيز صورة الردع الإسرائيلية. ولم يعد هناك أي فرصة للردع الأُحادي، بشقيه الاستراتيجي والعملاني. وفي أسوأ السيناريوهات، لم يعد هناك أي فرصة لخيار التدمير الأحادي، خصوصاً أن صانع القرار في تل أبيب يدرك أن تنفيذ هذا الخيار سيواجه باستهداف المنشآت الاستراتيجية في الكيان الإسرائيلي، وبقدرات تفوق بأضعاف ما كان لدى حزب الله قبل 11 عاماً. وعلى ذلك، من الضروري التذكير بحقيقة أن إدراك قادة العدو لخطورة القدرات الاستراتيجية التي يملكها حزب الله، وبأن قيادة حزب الله تملك شجاعة وإرادة تفعيل هذه القدرات عندما تقتضي الحاجة، هو أحد مقومات الردع المتبادل الأساسية الذي وفر أماناً استراتيجياً لحزب الله ولبنان وعمقه الإقليمي.