منذ عام بالتمام والكمال، ردّد نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم على الملأ أن «حزب الله يتحمّل مسؤولية نسبة معينة من الازمات الحاصلة لكونه شريكاً في السلطة، إلاّ ان مشاركته بها كانت لهدفين، الأول ضمانة المشروع العام وهو التحرير ومنع إسرائيل من الإعتداء على لبنان، والثاني، خدمة الناس بمقدار ما نستطيع مع هذه التركيبة المتنوعة في لبنان». وأمس الأوّل كشف قاسم زيف ما كان ادعاه سابقاً من خلال تحديده مساراً واحداً لا غير للخروج من أزمة الفراغ الرئاسي بقوله «من أراد أن ينتخب رئيساً للجمهورية، ليس له إلا اتجاه واحد يوصل إلى العماد ميشال عون».
التنصّل من العهود والوعود ليس بأمر جديد على قادة «حزب الله»، وإنما هي عادة ثابتة لديهم وربما تندرج كبند أساسي ضمن وثيقة الحزب السياسية التي تتجدد في الظاهر فقط لا في المضمون، وهذا ما يجعل من «التزاماتهم» وتعهداتهم السياسية وغير السياسية، عُرضة للتشكيك الدائم وعدم اخذها على محمل الجد خصوصاً عندما تتعلق الأمور بمصير وطن ما زال يعتبره الحزب تفصيلاً صغيراً مُقارنة مع المشروع الذي تُديره إيران في المنطقة من خلاله بشكل مُباشر. والسؤال الذي يُوجّه إلى قاسم في هذا الاطار: أي من المسؤليات يتحمّل «حزب الله»، التعطيل ام الفساد ام تعطيل عمل المؤسسات وتدميرها، ام مسؤولية إرسال الشباب الى جبهات الموت في سوريا؟.
في أكثر من مقابلة واطلالة تلفزيونية للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، كان تأكيده على الدوام، بأن ترشيحه للنائب ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، هو التزام أخلاقي، لكن حتّى اليوم، لم يُترجم هذا الإلتزام لا بمحاولة بالنزول الى مجلس النوّاب للتصويت لمرشحه، ولا بمحاولات جدية لاقناع حلفائه بالتصويت، ولا حتّى بالبحث مع «الخصوم» عن مخارج توافقية يُمكن أن تُفضي الى الهدف نفسه. كل ما قام به الحزب حتّى الساعة في هذا الإتجاه، هو تقديم عرض مُقايضة عنوانه العريض: رئاسة الجمهورية مُقابل رئاسة مجلس الوزراء.
بالفم الملآن، يعترف الشيخ قاسم أن حزبه هو من يُعطّل البلد ويشل عمل المؤسسات ويُصرّ على الفراغ من خلال تعنّته و«تمسكه» بمرشح واحد. يقول قاسم: بانتخاب عون رئيساً ستنطلق عجلة المؤسسات الدستورية، خصوصا المجلس النيابي، لا سيما في مجال التشريع والقوانين، وسنصبح أمام إقرار سلسلة الرتب والرواتب، إضافة إلى معالجة الكثير من قضايا الناس، ومنها الإسهام في معالجة تلوث مجرى نهر الليطاني الذي يعمل إخواننا ونوابنا والفاعليات في منطقتنا على القيام بيوم وطني كبير من أجل أن يسرعوا الخطوات باتجاه معالجة هذه الأزمة المصيرية، كما أن هذا الاتفاق على الرئيس يسهم في إنجاز قانون جديد للانتخابات. هنا يُمكن للمواطن أن يتأكد من مدى التعطيل الذي يُمارسه الحزب بحق البلد ورهنه سياسياً مقابل مرشحه الثاني بعد مرشحه الأول، الفراغ، تماماً كما رهنه أمنياً لصالح بشّار الأسد وحربه على الشعب السوري.
من جملة فضائله، ينصح قاسم «المستقبل» الذي يقف برأيه «عائقاً أمام إنتخاب الرئيس» بأن «ينهي تردده»، ويقول: «أما بالنسبة لنا كـ«حزب الله»، فإذا تم الاتفاق على عون رئيساً للجمهورية، فنحن جاهزون، وسنلبي الدعوة، وسنحضر جلسة مجلس النواب لانتخاب الرئيس، وسنصوّت له مهما كانت الجلسة قريبة». يُدرك «حزب الله» تماماً، أن في البلد قوى إستقلالية لا ترضخ للتهديد ولا تكترث للوعيد. فريق حمل دمه على كفّه، منذ الرابع عشر من شباط 2005 حتّى اليوم، وقد دفع خلال مسيرة الإستقلال هذه، نخبة من رجال عاهدوا الله والوطن على السير نحو الدولة الحرة، العادلة والمُستقلّة.
عدوى توجيه الإتهامات إلى تيّار «المستقبل» بالتعطيل، تنتقل من قيادي إلى آخر في صفوف «حزب الله». النائب عن الحزب علي فيّاض، يسير على النهج نفسه، فيدعو «المستقبل» إلى «اتخاذ قرار إنقاذي جريء يخرج البلد من أزمته، ويفتح أبواب الانفراج السياسي». إنطلاقاً من القول المأثور «دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، يُمكن أن يُترك الكلام السياسي لقادة الحزب لأهل السياسة. رئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع، يرد بشكل مباشر وغير مُباشر على إدعاءات «حزب الله» حول الملف الرئاسي بالقول: «يُصر البعض، وفي مقدمهم حزب الله على اتهام كتلة المستقبل والمملكة العربية السعودية بعرقلة عملية انتخاب الرئيس. والمتابع يعرف أن كتلة المستقبل ملتزمة حضور كل جلسات انتخاب الرئيس، في مقابل مقاطعة حزب الله وقوى أخرى محسوبة على إيران لتلك الجلسات، وهو ما يوضح من هو الطرف المعرقل».
وتأكيداً على أن مُرشح «حزب الله» الفعلي هو الفراغ وأن كل ما يجري اليوم هو بالنسبة اليه عامل لتقطيع الوقت فقط، يقول جعجع « حزب الله لا يُريد جمهورية حقيقة ولا رئيساً قوياً، لأن ذلك يعني ببساطة إضعاف دور الحزب، والعكس صحيح. أرى أنهم سيدعمون رئيساً بقياسات أبعد بكثير عن قياسات عون. سيدعمون رئيساً يكون ضعيف الشخصية ليرتهن لقرارهم».
من عمق الأزمة التي تعصف بـ«حزب الله» والتي هي ناتجة في الأصل عن تخبّطه في المستنقع السوري، تختلط الأمور في معظم الأحيان على سياسيي الحزب، فيذهبون إلى سوق الإتهامات لـ«المستقبل» ويتهمونه بوجود «الكرة» في ملعبه وأنه هو من يقرر إذا كان يُريد حلاً لمشكلة البلد أو العكس. هذا كُلّه، يؤكد مدى الإحراج الذي أوقع الحزب نفسه فيه أمام جمهوره اولاً، وبقيّة اللبنانيين ثانياً. ومع هذا، يُكابرون ويُصرّون على أنه، لا رئاسة ولا قانون إنتخاب، ولا بلد مُعافى، إلا بالسير «معنا».