Site icon IMLebanon

«حزب الله» يقتل الطفولة.. مرتين

بعد مرور أقل من شهرين على مقتل الطفل منير حزينة برصاص «طائش» أطلقه عناصر «حزب الله» أثناء تشييعهم مجموعة عناصر كانوا قد سقطوا في الزبداني في روضة الشهيدين، عاد الرصاص نفسه بالأمس ليُصيب الطفل السوري محمد البقاعي ابن السنوات الست في منطقة تعلبايا ويضع حداً لحياته بالطريقة نفسها بعد صراع مع الموت استمر ليومين في غرفة العناية الفائقة.

منذ سنتين هرب محمد مع عائلته المؤلفة من أب وأم وثلاثة أشقاء من موت لاحقهم من منزل إلى آخر في درعا، ليترك خلفه أحلامه الصغيرة ويمضى إلى مجهول استلقفه أمس الأول في خيمة داخل مخيّم «الرحمن» في تعلبايا البقاعية بعد إصابته برصاصة طائشة في رأسه أثناء تناوله طعام الغداء مع عائلته، لحظة تشييع أحد كوادر «حزب الله» المدعو علي نمر دعيبس الذي كان قد سقط في الزبداني منذ ثلاثة أيام.

لم يعد رصاص «حزب الله» يُصيب سوى الأبرياء وتحديداً الأطفال، سواء في سوريا أو في لبنان. محمد وقبله منير هما ضحيتا رصاص لم يعد يُميّز بين «أعداء» وأبرياء لكنهما ليسا الوحيدين اللذين قضيا من جرّاء «طيشنة» عناصر الحزب، فهناك حالات كثيرة ومُماثلة ما زالت تشهد على الفلتان المُستشري وعدم الإنضباط داخل دويلة الأمر الواقع التي يتحكم بها السلاح ويحكمها صوت رصاص بعضه يُرعب وبعضه الآخر يقتل تحت عناوين ومسميات عدة.

لم يكن الطفل محمد البقاعي يُقاتل عندما أصابه رصاص «حزب الله» «الطائش» ولم يكن يُساعد على إيصال السلاح للثوّار، بل كان يبكي داخل خيمة العائلة لعدم رغبته في تناول الطعام وإصراره على الخروج ليلعب مع رفاقه في الخارج. يقول احمد البقاعي والد محمد «كنا نتناول طعامنا عند الساعة الرابعة والنصف وكان محمد يبكي لأنه يريد أن يلعب مع رفاقه متحججاً بعدم رغبته في تناول الطعام، لكن ما هي إلا لحظات حتى رأيناه يهوي شمالا والدماء تسيل من رأسه. حملته أنا ووالدته وخرجنا من الخيمة نصرخ حتّى أقلّنا أحدهم إلى مستشفى البقاع حيث يصارع الموت داخل غرفة العناية الفائقة».

والدة محمد لم تستوعب بدورها حتّى الساعة ما حدث لطفلها ولم تصدق كيف أن رصاصة طائشة تختار طفلها على وجه التحديد. «هذا قضاء الله ولا اعتراض». جملة ترددها الوالدة بين وقت وآخر. تقول «هربنا من الموت في درعا، هربنا من البراميل المتفجرة لننجو بأطفالنا، لكن بعد اليوم من يضمن أن لا يُصاب أو يُقتل أي من بقيّة أبنائي داخل الخيمة أو خارجها. أوكل أمري لله وأطلب من مسؤول «حزب الله» أن يُحاسب الذين قتلوا محمد من دون ذنب وإلا سوف أظل ادعو عليهم بعدم التوفيق حتى القاهم يوم الحساب».

إحدى الممرضات في مستشفى البقاع كشفت أن «الطفل محمد قد توفىّ دماغيّاً منذ لحظة وصوله إلى المستشفى، وبأن الأطباء قاموا بكل ما يستطيعون فعله، وأن ما كان يُبقيه على قيد الحياة هو الماكينات الطبيّة التي تمنح القلب نبضات اصطناعية، وقد حصل حينها نقاش بين العائلة وبين الأطباء لجهة إزالة المعدّات لكن احد رجال الدين في المنطقة طلب الإبقاء على حالة الطفل كما هي إلى أن يُقدّر الله ويفعل ما يشاء».

يوم قُتل الطفل منير حزينة الهارب مع عائلته من مخيم «اليرموك» برصاص حزب الله «الطائش» في حرج بيروت، طالبت والدته بمحاسبة الفاعلين ومعاقبتهم حتّى لا تتكرر فعلتهم ويقتلون آخرين بعمر مُنير. لكن ها هو اليوم الطفل محمد البقاعي يلقى المصير نفسه داخل خيمة لم يستطع قماشها حماية رأسه الطري وعلى يد الأشخاص أنفسهم لكن مع فارق في الأسماء فقط من دون أن تتم محاسبتهم ولا حتى مساءلتهم، وكأن الأمكنة كلها أصبحت لهم وحدهم ودماء الأطفال ترخص لأجلهم، ولا فرق بالنسبة اليهم بين انتظار عائلة لخبر سار عن طفل لفظ أنفاسه الاخيرة في العناية الفائقة وبين عائلة تودّع طفلا قضى برصاص تشييعهم، فالمهم ان يبقى إطلاق الرصاص والقذائف، الوسيلة الأبرز في جميع مناسباتهم رغم «تحريم» السيد حسن نصرالله لها في اكثر من إطلالة، لكن من دون جدوى!

عائلة أحمد البقاعي كانت تدعو قبيل تلقيهم الخبر المفجع في وقت متقدم من ليل أمس، للتخفيف عن طفلها محمد بعد فقدانها الأمل ببقائه على قيد الحياة، وكل بدوره كان يُخبر قصصاً عنه وعن أحلام كثيرة تمنى ان يُحققها ذات يوم في درعا. وحدها شقيقته التي تكبره بسنوات قليلة كانت غارقة في صمتها وسط دموع حاولت اكثر من مرة إخفاءها عن أشقائها وهي تردد «سامحني يا محمد وعدتك نرجع سوا عالضيعة».