IMLebanon

رصاص «حزب الله» يُلاحق الأطفال من «اليرموك» إلى بيروت  

لم يكن الطفل منير حزينة ابن السنوات الخمس يُقاتل عندما أصابه رصاص «حزب الله» أثناء عملية تشييع في منطقة الغبيري لعدد من قتلاه كانوا سقطوا مؤخّراً في سوريا، بل كان يلعب مع شقيقته الكُبرى التي لم تفق بعد من هول صدمة رؤيتها شقيقها الوحيد وهو يسقط عن الأرجوحة داخل حرج بيروت ويُغلق عينه اليُمنى قبل أن يهوي أرضاً.

يُصرّ «حزب الله» على تشييع القتل بالقتل وآخر ضحايا رصاصه الطائش، طُفل فلسطيني هرّبته عائلته من موت كان يُحاصرهم داخل مُخيّم اليرموك في سوريا لتصل به وبشقيقتيه إلى العاصمة بيروت وتحديداً إلى داخل مُخيّم «شاتيلا»، لكن هذه العائلة لم تكن تُدرك أن اليد التي حاولت خنق أطفالها في «اليرموك» هي نفسها ستُلاحقها إلى مكان اللجوء لتنال من طفلها برصاصة استقرّت في رأسه لجهة العين اليُمنى.

في الطبقة الثالثة من مُستشفى «المقاصد» يرقد الطفل مُنير داخل إحدى غرف العناية الفائقة بين الحياة والموت بعدما عجز الأطباء عن فعل أي شيء له. طفل كان يضجّ بالحياة والحيويّة ويحلم بيوم يعود فيه إلى منزله في سوريا ليلعب مع شقيقتيه في منزل كان يُحوّله إلى جنّة على الأرض مع كل ضحكة يُطلقها. حلم مُنير بمنزل يتضمن حديقة يلعب داخلها وهو الذي تعوّد الهرب من الصُراخ وصمّ أذنيه عن صوت الرصاص إلى أن جاءت رصاصة وقضت على أحلامه وأمنياته وأقعدته على سرير لطالما اعتبر النوم عليه مُشكلة مُستعصية تحول بينه وبين ألعابه.

«قبل يومين أتم طفلي سنته الخامسة». بهذه الجملة تستهل والدة مُنير حديثها «هربنا من الموت في سوريا لكنّه لحق بنا إلى هنا». لا تكاد تغفو على الكرسي في قاعة الانتظار في المستشفى، حتّى تعود وتستيقظ وهي تصرخ «يا مُنير، يا ماما، وينك يا نور عيوني، شو عملوا فيك يا تقبرني». تتهم الوالدة «حزب الله» بشكل مُباشر بما أصاب ولدها وتطلب من القضاء اللبناني التحرّك لمعاقبة المُجرمين وعدم تركهم لكي لا يقتلوا آخرين بعمر مُنير. وتتوجّه إلى السيد حسن نصرالله بالقول «كنّا نسمع بأن رجالك يقتلون الأطفال، لكنّنا اليوم تأكدنا بعدما أطلقوا الرصاص على وحيدي ورموه بين الحياة والموت، حتّى الأطباء عاجزون عن القيام بأي أمر«.

أمّا والد الطفل مُنير، مازن حزينة، فالأمر بالنسبة إليه لا يختلف عن زوجته. ما زال الأب تحت صدمة إصابة طفله. يستذكر أجمل اللحظات التي قضاها معه. «كان ينتظرني يوميّاً حتّى أعود من عملي في المطعم ليلعب معي. قبل يومين طلب أن اشتري له «باد» ليلعب به وحده بعيداً عن صراخ الناس وهو الذي كان يخاف الأصوات العالية وخصوصاً صوت الرصاص وكأنّه كان على علم مُسبق بقدره. وأذكر يوم اشتد علينا القصف في «اليرموك» كيف هرع اليّ ليحتمي بحضني، يومها قلت له «لا تخف حبيبي أنا بحميك»، فأجابني «أنت والله بتحموني». اليوم أسأل الله فقط أن يشفي مُنير وأن يُعيده لي ولوالدته ومن جهتي لن أقف مكتوف اليدين، بل سأتحرّك وسأقيم دعوى ضد عناصر الحزب الذين أطلقوا الرصاص عن سبق إصرار بالاتجاه الذي كان يلعب فيه مُنير«.

ويتوجّه الوالد المُنهار بشكل كُلّي بكلام إلى نصرالله «منذ فترة يا سيد نصرالله طلبت من رجالك ومناصريك وجمهورك عدم إطلاق النار بشكل عشوائي أثناء خطاباتك، لكنّك لم تطلب منهم الأمر ذاته في كل مرّة تُشيّعون فيها قتيلاً. اليوم أنا أطلب منك شخصيّاً أن تعتبر مُنير أحد أطفالك وأن تأخذ لي حقّه من «الزعران» الذين وضعوه بين الحياة والموت، وإن لم تفعل ونحن نعلم مُسبقاً بأنّك لن تفعل، فسوف أحمّلك دم أبني من اليوم حتّى قيام الساعة«.

الطفل مُنير لم يكن الحالة الأولى التي يُصيبها رصاص «حزب الله»، فهناك حالات كثيرة ومُماثلة شهدت على الفلتان المُستشري داخل الضاحية الجنوبيّة وعلى عدم الانضباط. هي دويلة ضمن الدولة، لا تخضع لقوانين ولا لمعايير إنسانية والأهم أن القتيل فيها لا يُدفن إلّا مع قتيل آخر.. نعم، إنّها الضاحية الجنوبيّة، دولة «حزب الله» الواعدة.