يمكن النظر بإيجابية كبيرة الى “التسوية الشاملة” التي أطلق الدعوة إليها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. هي لم تأت من عبث أو صدفة، فليس من عادة الحزب إطلاق مواقف ودعوات متسرّعة ومتهورة أو غير مدروسة، خصوصاً متى وردت على لسان أمينه العام شخصياً.
لماذا يدعو “حزب الله” الى تسوية شاملة في هذا التوقيت بالذات؟ أسباب عدة تحمله على ذلك، منها الداخلي ومنها الخارجي الاقليمي. وقبل النظر في ظروف إطلاقها، لا بدّ من النظر الى مضمونها. فقد أسقط السيد فكرة المؤتمر التأسيسي، وأبعد طرح المثالثة، وبالتالي فهو ينطلق من الصيغة والميثاق، وفي الأمر مزيد من لبننة يخطو فيها الحزب على مراحل، وقد أدرك في مرحلة أولى أنه لن يتمكن من البقاء “الثورة الاسلامية في لبنان”، ولن يبقى خارج اللعبة الداخلية السياسية والوظائفية، فقرر أن ينخرط في الدولة، وإن ببطء.
والحزب، عندما دعا الى مؤتمر تأسيسي، انطلق من اقتناع بأن فريقاً لا يمكن ان يحكم لبنان وحده. وبما أنه لا إمكان لثورة أو لانقلاب عسكري، فإنه يعمل على قضم ما أمكن من جبنة السلطة، عبر مقترحات وأفكار ومشاريع جرّبها كثيرون قبله غالباً ما اصطدمت بجدار مانع يدفع الى التكيّف مع الواقع أكثر.
في الداخل، ليس الحزب في أحسن حال، كما يحاول أن يظهر دائماً. فالدماء التي بذلها في سوريا غالية، وهي تستنزف قواه، وترهق مجتمعه، كما تستنزفه عائلات الشهداء، الأرامل والأيتام، والمصاريف والالتزامات المادية التي تتضاعف يوماً بعد آخر. وهو، إذ كان يأمل في حسم المعركة بأيام وشهور، فإنه أدرك أن الحرب طالت. وإذا كان الحزب يستعدّ لجولة جديدة لـ”الحسم”، فإنه سيهرق المزيد من الدماء. أما إذا بدأت التسوية السورية، ومضت على الوجه الأفضل، فإنه لن يجد موطئ قدم له هناك، وسينكفئ الى الداخل لحماية ظهره بعيداً من الخطر الأمني الذي يتهدده. فحتمية الانسحاب من سوريا هي في صلب حسابات الحزب.
والحزب، في السياسة، ليس أيضاً على ما يرام. فقد كبل نفسه بالموقف من العماد ميشال عون كمرشّح وحيد الى الرئاسة لا تراجع عنه، ولم يدرك أن حليفه المسيحي الأبرز قد يجنح الى أماكن ومواقف لا قدرة للحزب على تحمّلها، وقد لا توافق حساباته. وإذا كان الحوار الثنائي يردم الهوة مع “تيار المستقبل”، فإنه لم يلغ المسافة الكبيرة التي تفصل جمهوره الشيعي عن الشارع السني، وعليه تقع مسؤولية إطفاء الفتنة الكامنة تحت الرماد.
في خلاصة بسيطة، يريد الحزب المحافظة على لبنان، بوابته الأمامية والخلفية في آن واحد، وهو بات يدرك جيداً أن الصيغة اللبنانية على علاتها تبقى الأفضل، وإن احتاجت الى “روتوش” لا يختلف كل اللبنانيين عليه.