Site icon IMLebanon

«حزب الله»: الخسائر.. والمراجعة!

«حزب الله»، حزب مقفل، عصيّ على المصارحة والمكاشفة. كل ما يدور فيه وحوله، أسرار مقفلة. ولادته ونشأته وصعوده، فرضت هذا التشكل المعقد. مرحلة المقاومة ضد إسرائيل حتى التحرير، رفدت هذه السرية بألف سبب وسبب لتعميقها. التثقيف السياسي والديني المذهبي، جعل ويجعل من كل عضو و«مجاهد»، «علبة سوداء»، لا يمكن فتحها إلا بتوجيه قيادي. «كلمة السر» في الحزب واحدة لا يقولها إلا السيد حسن نصرالله.

عملية قتل أو اغتيال القيادي مصطفى بدر الدين تؤكد هذه السرية. سيمضي الكثير من الزمن لمعرفة الحقيقة. قبل هذه العملية، اغتيل «القائد« عماد مغنية. اتهام إسرائيل باغتياله رغم عقدة الزمان والمكان، أنهى النقاش حول العملية. في حالة مصطفى بدر الدين يبدو الأمر أكثر تعقيداً وربما أخطر. اتهام «التكفيريين» باغتياله، رفع منسوب الأسئلة حول حقيقة مَن قتله، ومن حرّض وخطّط ونفّذ. من الصعب وضع اجابة أو أكثر حاسمة ترسم الحقيقة، خصوصاً أن سوريا «ملعب مفتوح» لقوى عديدة اقليمية ودولية متحالفة متنافسة، التنافس يولّد أحياناً التصادم. في «الملعب» السوري اليوم، يوجد الأميركيون والروسي والاسرائيلي والايراني والنظام الأسدي ومعارضات سورية وأخرى «تكفيرية».

غموض عملية الاغتيال ومن قام بها، ويوميات الحرب الاستنزافية الطويلة في سوريا، طرحت لأول مرة أسئلة كثيرة في وسط «جمهور» الحزب، حول وقائعها وانعكاساتها وتردداتها القيادية. ليس من السهل في حزب مثل «حزب الله« وآلته العسكرية أن يخسر اثنين من قيادييه العسكريين والأمنيين المؤسسين ولا يتأثر «الحزب» بذلك قيادة وقاعدة. ما أضاف الى الترددات الانعكاسية، ان العملية جاءت في مسار ارتفاع ضحايا الحزب في سوريا، وعدم ظهور أفق للخروج من النفق.

بحسب جميع التقديرات خسر الحزب في سوريا بين 1200 و1500 مقاتل عدا آلاف الجرحى والمعوّقين وعدة أسرى. من البداية عندما لم يكن أحد يقدّر أن الحرب في سوريا ستطول سنوات من الاستنزاف اليومي، قيل إن «الحزب« وجمهوره يستطيعان تحمّل خسارة 1500 مقاتل كحد أقصى، أي أكثر بمئات من الشهداء ضد اسرائيل. الآن وقد وصل الى «الخط الأحمر« هل يستطيع كسره والذهاب بعيداً في «تضحياته»؟ يمكن للحزب أن يبادل «تضحيات» جمهوره بتقديم «سلة« من الأرباح له. ولكن ماذا لو كانت الحرب لن تنتهي في سنوات وخسائرها الى ازدياد والأخطر أن أي حل سياسي لن يكون له مكان إلا بالواسطة أي عبر إيران التي ستكون هي الحاضرة في المفاوضات والتي تبقى مصالحها الوطنية والقومية والسياسية أكثر أهمية من تكبيلها بما يريده أو يفكر به «حزب الله» حتى لو كان «الابن الشرعي الوحيد» للثورة ولها؟

الأخطر بالنسبة للحزب، أن المفاوضات طويلة، والمصالح الايرانية تتقاطع وتتنافر وتتزاحم مع الحليف الروسي. «القيصر» فلاديمير بوتين لا يهمه إلا مصلحة روسيا، وفي النهاية تفاهمه مع الرئيس أوباما أو خليفته هو الأساس والباقي تفاصيل.

هذه الحالة تضع «حزب الله« بين «سندان» ايران و»مطرقة» روسيا، ومن وقت لآخر الحركة الاضافية للرئيس بشار الأسد ونظامه، الذي يئن من «السطوة» الايرانية إن لم يكن مباشرة فمن أركانه وضباطه. (وهذا له حديث آخر).

مهما كابر «حزب الله»، ومهما تكتم وتحفّظ، فإنه «مأزوم». أزمته أنه يريد الخلاص وغير قادر على الإقدام عليه، لأنه يتطلب الانسحاب من سوريا وتغيير «خطابه» اللبناني. مهما كان الحزب قوياً في طهران، لا يمكنه أن يقول «سأنسحب» وسأنفتح على الداخل اللبناني، في مرحلة مفاوضات بالكاد بدأت سراً أو علانية. الانسحاب يساوي الاغتيال، والحزب ملزم بالفتوى الشرعية للمرشد آية الله علي خامنئي ولن يتحلل منها. في قلب هذه الأزمة المتعددة الطبقات، تتصاعد أصوات لصيقة أو من أجواء الحزب وجمهوره تطرح أسئلة كثيرة ومكثفة. تطالب أو تعرض «ضرورة البحث في كيفية الخروج من الأزمات المتزايدة» التي تحيط بالحزب من سوريا الى اليمن مروراً بالعراق، من دون أن يتم تناسي تحوّل التعطيل في لبنان «سباحة في الفراغ»، ثم جاءت القيود المصرفية الأميركية لترفع خطر استمراره في هذه «السباحة».

ما يعمّق النقاش، «أن موقع الحزب ودوره في مواجهة إسرائيل» قد تراجعا مهما تعددت الخُطَب، ولا شك في أن «الغرق في صراعات المنطقة» لا يمكن أن يمر من دون «تداعيات مستقبلية خطيرة». علماً أن هذا الانكفاء أو هذه البرودة في المواجهة، تشرّع الأبواب نحو مواجهات داخلية لم تكن يوماً رابحة لأحد.

إذا كان الانسحاب من الحرب في سوريا في هذه المرحلة مستحيلاً فما العمل؟

يقال ولا شيء يؤكد ذلك سوى التطورات الميدانية، إن الحزب يتجه أو توجه نحو إعادة تموضع قواته في سوريا وعدم تركها منتشرة حيث يجب ولا يجب. لذلك سيتوجه الحزب في حركة لتخفيف خسائره نحو التموضع في المواقع التي تعنيه مباشرة (بمعنى خطابه السياسي والمذهبي) والتي يمكن رفدها بضرورات الحرب ضد «التكفيريين»، أي في حمص وصولاً الى دمشق مروراً بالقصَير، أما الباقي خصوصاً جبهة حلب التي أصبح من الواضح أنها تحولت الى «جبهة حرب دولية صغيرة»، فتُترك للكبار، خصوصاً بعد أن أكدت إيران أنها فتحت الباب نحو «تصعيد التطوع للدفاع عن المقامات».

التسليم بأن الصيف سيكون «بركانياً» قائم. لذلك وسط النار والدماء سيتم تحديد ما إذا كان الحزب قادراً فعلاً على صياغة وتنفيذ سياسة تتناسب مع حجمه وجمهوره. في النهاية ماذا ينفع الحزب إذا ربح معركة في سوريا وخسر شعبه ولبنان؟!