انحسرت بشكل ملحوظ الأخبار والمعلومات المتعلقة بمدينة الزبداني على وسائل إعلام «حزب الله»، تماماً كما خرجت عن التداول داخل البازارات السياسية اليومية للحلف «الممانع» وتحليلات «جنرالاته» العسكرية، ما يوحي بأن ثمة عقدة سياسية إقليمية عالقة على خط المواجهات التي يخوضها الحزب والتي خفّت وتيرتها بشكل لافت خلال الأيام القليلة الماضية.
ابتعدت إيران عن واجهة الأحداث في المنطقة منذ إعلان الاتفاق النووي بينها وبين الدول الست، والذي تُرجم لاحقاً ولو بالشكل لكن بالتنسيق والتفاهم مع «الشيطان الأكبر»، بعدم التحريض والتهديد العلني ضد إسرائيل أو المساس بها وبمصالحها وكف يدها عن ملف اليمن إضافة إلى عدم التعاطي العلني في القضية السورية، ما أثار مخاوف كبيرة لدى «حزب الله» خشية حصول صفقات جانبية على حساب تدخله في الحرب السورية خصوصاً أن التعهد الإيراني هذا قد أُدرج ضمن البنود السرية المتعلقة بطبيعة الاتفاق وأبعاده المستقبلية.
خشية «حزب الله» من حصول صفقات كهذه، كانت تسرّبت عن دوائره السياسية ولاحقاً الشعبية مع البدء بالمفاوضات السريّة في تركيا بين إيران وحركة «أحرار الشام» أحد الفصائل السورية المُسلحة حول الانسحابات المتبادلة من مدن «الزبداني» و«الفوعة» و«كفرية» واستكملت بإلغاء وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف زيارته إلى ضريح عماد مغنية في الضاحية الجنوبية، ما عزّز مخاوف الحزب غير المُطمئن لحركة إيران السياسية في المنطقة رغم تأكيدات قادته أنهم غير معنيين بها وأن إيران لا تتدخل في شؤون لبنان، وبأن ما يعنيهم فقط ما يصدر عن «المرشد الأعلى» أي «الخامنئي.
ازداد قلق «حزب الله» لجهة عدم اتضاح معالم المرحلة المقبلة، أقله في الشق المتعلق بالحرب التي يخوضها في سوريا، بعد اللقاء الذي جمع أخيراً بين ظريف والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، والذي لم يرقَ إلى المستوى الذي كان الحزب يأمله، إذا تخللته بحسب التحليلات والمعلومات السياسية، مواقف متشنجة عبّر عنها إعلام الحزب بالصورة التي وزعها والتي جمعت الرجلان حيث بدا فيها نصرالله متجهم الوجه ليتبعها لاحقاً موقف آخر أصدرته قيادة «حزب الله» قضى بتجميد عضوية عدد من كوادره وعناصره في الزبداني على خلفية التحادث بينهم وبين مسلحي المعارضة أثناء الهدنة الموقتة، وهو ما جرى تفسيره على أنه رد واضح على المفاوضات التي كانت تجريها إيران في أنقرة.
من الواضح أن هناك ضباباً ما يلف علاقة «حزب الله» بإيران، فالحزب يشعر اليوم أنه سيق إلى هذه الحرب رغماً عن إرادته وهو الذي كان رفض الانخراط بها في بداياتها قبل أن يُجبر، حتّى أن أياً من حلفائه لم ينجر بهذا الحجم سواء في السياسة أو العسكر. وهنا تعترف قيادة الحزب أن انخراطها قلّص من شعبيّة «المقاومة» لدى الجمهور العربي وتحديداً الفلسطيني، وهذا ما يظهر بشكل فعلي من خلال استطلاعات الرأي الأخيرة التي بيّنت انخفاض مستوى حجم الدعم الشعبي بنسبة كبيرة حتّى داخل بيته وهو ما تحدث عنه نصرالله في خطابه ما قبل الأخير عندما انتقد طريقة عمل ومهنية بعض المؤسسات التي تقوم بإحصاءات داخل مناطق تابعة للحزب وحمّلها مسؤولية تشويه الحقائق من خلال توجيهها أسئلة غير محددة للناس.
وحيداً يجد «حزب الله» نفسه اليوم في حرب استنزفت قواه العسكرية وأكلت من رصيده السياسي. تحدث مؤخراً عن نصر مؤكد في الزبداني لكنه عاد وأعلن تأجيل حسمها لأسباب «تتعلق بطبيعة المعركة». دماء عناصره تسقط في غير محلها بينما جهات خارجية تفاوض على هذه الدماء وتحدد مصير الأحياء فيها. سقطت «الخطة ب« ومعها عاود الثوار مهاجمتهم لقرى وبلدات سورية تقع بمحاذاة سلسلة لبنان الشرقية كان قد احتلها الحزب، وفي ظل حرب الاستنزاف هذه يسأل جمهور الحزب عن موعد الخروج من المستنقع، فتجيب فوهات مدافعه وراجماته وصواريخه، إلى «مضايا» السورية التابعة للزبداني.. در.