في ذروة حرب تموز عام 2006 أثارت سيدة هي أم لعنصر من “حزب الله” سقط ضحية جدلاً عندما سجّل إعلام الحزب معها مقابلة قالت فيها: “فدا السيّد”. أي أنها تعتبر أن ولدها سقط فداء للأمين العام السيد حسن نصرالله. أما اليوم، والحزب منخرط في الحرب السورية صار يسمع على ألسنة ذوي الضحايا من عناصره الذين يسقطون في هذه الحرب كلاماً آخر. ويردد كثيرون في بيئة “حزب الله” ما يحصل عندما يأتي مسؤولون في الحزب الى ذوي أحد الضحايا لتقديم “التبريكات” بسقوطه جرياً على عادة الحزب منذ تأسيسه منذ اوائل ثمانينات القرن الماضي. ومنها ما حدث في إحدى القرى البقاعية منذ فترة قصيرة عندما خاطب مسؤول الحزب الأم المفجوعة بـ”التبريك” أي التهنئة بمقتل أبنها فأجابته بصوت عال: “عقبال ابنك”. فسارع المسؤول ومرافقوه إلى مغادرة المكان لتجري بعد ذلك مساعٍ لتهدئة الأم المفجوعة بطرق صار الحزب خبيراً فيها بعد أكثر من ثلاثة عقود بفضل التوجيه الايراني.
الروايات التي يجري تناقلها عن تجربة الحزب في معارك الزبداني المستمرة حتى الآن تبرز صعوبة المواجهات التي زج فيها نصر الله ونظام بشار الاسد أهم الامكانات ولكن من دون أن تتكلل بالحسم. ومع تزايد عدد ضحايا الحزب الذين يعودون الى لبنان من هذه المواجهات صار لا بدّ من تداول التبريرات لهذا العجز عن الانتصار في الزبداني التي تمثل من الناحية الجغرافية ساحة مجاورة للبنان، والقاسم المشترك في هذه التبريرات أن هناك المئات من المقاتلين المتحصنين في أنفاق لهم مهارة عالية في القتال ولا سيما في أعمال القنص التي تسببت حتى الآن بسقوط معظم ضحايا الحزب هناك.
الأرقام المتداولة حول خسائر “حزب الله” في الحرب السورية تفيد عن سقوط نحو ألفيّ قتيل وأضعاف مضاعفة من المصابين، وهي تمثل حصيلة غير مسبوقة في تاريخ الحزب الذي لم يدفع على مدى عشرات الأعوام في مواجهة إسرائيل مثل هذا الثمن. وتبعاً لحجم هذا التنظيم بشرياً تمثّل هذه الحصيلة نسبة عظيمة من تعداده مما دفع بعض الخبراء من هم على صلة بالحزب الى القول ان الحرب السورية إذا ما طالت فستقضي على “حزب الله” كلياً.
ليس من المفيد إطلاق الاحكام في واقع معقّد كالحرب السورية، لكن المطلوب هو التبصّر في مآل الأمور بلبنان الذي نجا حتى الآن من الحريق الكبير الذي يجتاح سوريا. وإذا كانت إمكانية إقناع “حزب الله” بتغيير موقفه من التورط في الحرب السورية مفقودة فإن إمكان قيام تحرك في بيئة الحزب تحت عنوان “كفى” تضحية بشباب هذه البيئة في حرب سيسجلها التاريخ في سجل العار ما زالت موجودة. وفي موقع وكالة أنباء فارس الايرانية الرسمية نشر قبل أيام مقال يشيد بـ”سجادة بديعة” نسجتها إيران من خلال الاتفاق النووي مع الغرب مقابل سلوك العرب “البهاليل”. أليس ضحايا “حزب الله” عرباً؟