أمس الاول، شيّع «حزب الله» أحد مُقاتليه الذي سقط في سوريا وهو طفل يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً يُدعى مشهور شمس الدين من بلدة مجدل سلم قضاء مرجعيون. خبر نزل كالصاعقة على جمهور الحزب وحلفائه خصوصاً وانه ليس أوّل طفل يسقط لـ»حزب الله» أثناء تأدية «الواجب الجهادي» في سوريا، إذ سبق ان قضى آخر منذ ستة اشهر من آل «ترحيني» تكتّم عن سبب مقتله.
لم يعد أمام «حزب الله» سوى الأطفال ليستعين بهم في حروبه بعد أن استنفد خيرة شبابه في حربه العبثيّة التي يشنّها ضد الشعب السوري إلى جانب النظام، فبعد سقوط ما يُقارب الألف قتيل له في الداخل السوري منذ إندلاع الثورة رغم نفيه المُتكرّر لهذا الامر، بدأ «حزب الله» يبحث عن وسيلة تعوّض خسارته هذه إلى أن وجد ضالّته في أجساد طريّة سرقها عن مقاعد دراستها وضمّها إلى مشروع يبدأ على طريق التعصّب وينتهي بالقتل في بلاد الغربة.
في العام 2006 اثناء حرب تموّز وحتّى قبله، كان سقط لـ»حزب الله» مجموعة من الشُبّان يُشبهون مشهور بأشكالهم وأعمارهم، ومع هذا كانت للموت يومها نكهة أخرى ولون يُشبه الوان قوس قزح. كان للشهيد عرس ونشيد خاصّ به. كانت الحكايات تُنسج عن أطفال يمتلكون عزم الرجال امتشقوا بنادق بحجمهم ليواجهوا الإسرائيلي في ساحات قراهم. كانوا اطفال الله، شُهداء الواجب ودروع الوطن قبل أن يتحوّلوا اليوم إلى مجرّد أرقام ضمن عمليّة حسابيّة عنوانها «التصاعد المُستمر«.
لم يعد العمر ولا الحالة العائليّة يُشكلان أي عائق أمام إنضمام أي شاب «شيعي» إلى «حزب الله»، إذ أن قبول الشخص بهذا الانخراط بات السمة الوحيدة ليُصبح مُقاتلا في الحزب. كذلك ما عادت الدورات العسكريّة التي كان يُخضع الحزب مقاتليه لها سواء في ايران او عدد من قرى البقاع ذات اهميّة، فبعد أن كانت تمتد أقل دورة عسكرية إلى اسبوعين كحد أدنى، أصبحت الدورات النظرية مع بعض الرمايات الرشّاشة النقطة الأساسيّة لتخريج المُقاتلين ومن ثم إنتقالهم إلى الداخل السوري ليخوضوا حرباً لا يعرفون من علمها سوى إطلاق الرصاص.
يبدو أن مقتل مشهور قد أحدث جدلا كلاميّا داخل بيئة «حزب الله» وصل إلى حد الانتقاد اللاذع للقيادة، فحتّى الساعة لم يُعلن الحزب بشكل رسمي الأسباب التي أدّت إلى مقتله. أثناء مراسم التشييع التي جرت في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبيّة، كانت الهمسات الجانبيّة والتكهّنات حول مقتل الطفل أو المكان الذي سقط فيه حديث الناس الوحيد. منهم من قال إنه سقط أثناء الغارة التي نفّذتها إسرائيل واستهدفت خلالها موكباً للحزب كان ينقل صواريخ في منطقة القلمون السوريّة، ومنهم من اكّد أنه كان من ضمن المجموعة التي كانت تُحاول زرع عبوات في بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل والتي استهدفها أيضاً الطيران الإسرائيلي منذ أيام وأن مُهمّته كانت التسلّل إلى داخل الحدود لوضع العبوات بعد تجهيزها نظراً الى بنيته الصغيرة.
ماذا يعني مقتل طفل في سن الخامسة عشرة في صفوف «حزب الله»؟. من الواضح أن الحزب يُعاني نقصا حادا في عناصره وإلّا لما كانت وافقت قيادته على إنخراط مشهور شمس الدين وأمثاله من السن نفسها، وهو الذي كان أصدر تكليفاً شرعيّاً يمنع الشُبان دون سن الـ18 عامًا من المُشاركة في المعارك الدائرة في سوريا أو حتّى إخضاعهم لدورات تدريبيّة من دون علم اهاليهم، أو تطويع عناصر يُعيلون عائلاتهم، بحسب كلام السيد حسن نصرالله في أكثر من محطّة ومناسبة. ومن هنا يبدو أن «حزب الله» بدأ يتّبع إستراتيجيّة جديدة في عمليّات التعبئة توجب البحث عن مقاتلين في الصفوف الكشفيّة أو على مقاعد الدراسة، ما يعني أن الحرب التي يفرضها الحزب على أبناء طائفته في الداخل والخارج قد تطول لأعوام مقبلة.
بعد إدخالها سابقاً الصراع مع إسرائيل والتشديد على ضرورة الإنخراط بالعمل العسكري لمحاربتها كمنهج رئيسيّ في التعليم، بدأت مؤسّسات «حزب الله» التعليمية والثقافيّة خلال الأشهر المُنصرمة بإدخال مفهوم جديد إلى مناهجها يتحدّث عن حرب طويلة الأمد مع التكفيريّين واللعب على الغرائز المذهبيّة بوصفها حرباً «كونيّة» على الشيعة في العالم، ولذلك فهي تتطلّب الاستعداد من سن مُبكّرة. هي مناهج رهن الظروف، تُستبدل وفقاً للزمان والمكان يقرأ منها الأطفال صفحاتها الأولى ثم يُغادرون بعدها من دون أن يتمكّنوا من تكملتها.
أمس عاد الطفل مشهور شمس الدين داخل نعش صغير لا يتّسع لأحلامه الكبيرة، وبالأمس غاب أصدقاؤه عن المشهد الأخير ليحل مكانهم شُبّان تفوح منهم رائحة البارود. حاولت والدته إخفاء دمعاتها ظنّاً منها ان ذلك امر مُعيب وهي التي لم تذق من قبل طعم القتل في عائلتها الصغيرة، لكن عيونها كشفت عن أسئلة كثيرة وموجعة تتعلّق بالساعات الاخيرة من حياة ابنها. لكن الإجابة الوحيدة كانت، أنّ مشهور رحل بطريقة مُفجعة لن تُنسيها اياه حكايات وروايات مجالس العزاء ولا خطابات تتنقّل بها قيادات «حزب الله» وتُكرّرها بين ذكرى ومُناسبة.