رغم كل الحديث عن تأثر لبناني بتسوية المنطقة السعودية – الإيرانية وذهاب كثيرون إلى التبشير بعودة الـ«س – س» السعودية – السورية وبالتالي إنتاج رئيس جديد للجمهورية، لا يبدو أن التسوية التي حُكي عنها في أوساط الممانعة بوصول سليمان فرنجية إلى الرئاسة، قاب قوسين أو أدنى ولا حتى قريبة هذا إذا كانت قائمة أصلاً.
ولدى أوساط متابعة الكثير من التساؤلات حول جديّة ما تم الاتفاق عليه في الإقليم ومدى تمظهره لبنانياً.
فباستثناء حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية وخفوت الهجوم على الخليج والسعودية تحديداً وبعض التعديل في خطاب مناوئيها في المنطقة، وتحقيق خروقات في بعض المسارح (ليست مكافحة الكبتاغون في سوريا سوى أحدها) لا تشير التطورات اليمنية والسورية وغيرها إلى خرق جديّ في الجمود الحاصل.
هذا ما يفسر الكثير من المؤشرات التي ظهرت في الأيام الأخيرة التي تدلل على عدم حماسة المقرّبين من «حزب الله» للذهاب الى أحكام نهائية على صعيد وصول فرنجية الى الرئاسة.
كما أن هذا ما يفسر التشدد المتواصل من قبل حلفاء فرنجية كالحزب وكالرئيس نبيه بري، في التمسّك بفرنجية، أقلّه في العلن، مع إبداء ليونة لفظية بالدعوة الى الحوار والتلاقي مع الشريك في الوطن.
ولدى هؤلاء قراءة مفادها أن أمور التسوية ليست بهذه السهولة كما يصور البعض، سواء المقصود بذلك لبنان أو حتى المنطقة. ويتوقف هؤلاء عند الموقف الأميركي ويشيرون إلى أن الولايات المتحدة الأميركية، صحيح أنها لم تعرقل اتفاق بكين بين طهران والرياض، إلّا أنها غير إيجابية في الملف النووي الإيراني كما أنها ذاهبة الى التشدد في سوريا وثمة قرار جديد لحصار دمشق سيظهر في الكونغرس. وحتى على صعيد العلاقات السورية – الأوروبية، الفرنسية خصوصاً، فليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل، ما يشير الى أن عراقيل قائمة أمام التسوية لبنانياً، لا سيما إذا توقفنا عند الموقف السعودي الذي ما زال على حاله بعدم الضغط على الحلفاء في لبنان لانتخاب فرنجية، ما يعني أن التقاطعات التي يتحدث عنها أنصار الرجل ليست قائمة لوصوله الى الرئاسة، فموقف الرياض إذا كان لا يعارض فرنجية في العلن، إلا أنه لا يوفر له الشرعية في المضمون ما يعادل معارضة وصول فرنجية عملياً.
وفي أوساط الممانعة إدراك بأن التسوية ليست قائمة في هذه اللحظة السياسية، ويدعو من يدور في فلك هذا المحور الى التأمل بدلالات المناورة العسكرية التي قام بها «حزب الله» في قرية عرمتى الجنوبية التي جاءت لتؤكد انفصال الموقف الداخلي عن التطورات الإقليمية.
والمناورة ليست تفصيلاً في ما يحدث في المنطقة وهي جاءت بعد قليل على عملية «ثأر الأحرار» في قطاع غزة تحت عنوان ذكرى التحرير الـ 23 التي لم تشهد مثل تلك المناورة منذ الحدث الكبير العام 2000.
طبعا شكّلت المناورة رسالة واضحة المعالم للجانب الإسرائيلي ما وراء الحدود. وهي رسالة لم ترتدِ الطابع الرمزي المهرجاني كما كان يحدث في احتفالات يوم القدس مثلاً قبل سنوات والتي أُلغيت منذ العام 2006 لأسباب أمنية على أثر عدوان تموز، بل ارتدت الطابع العسكري واشتركت فيها، حسب مراقبين، أقوى فرقتين وهما «الرضوان» و«بدر» وشهدت محاكاة للهجوم على الجليل واحتلال مستوطنات شمالي فلسطين المحتلة واستعملت فيها مسيرات باتت تحتل حيزاً بالغ الأهمية في استراتيجية المحور. وفي ذلك يكمن التحذير الجاد الموجه لواحدة من أكثر حكومات التطرف الإسرائيلي لكي لا ترتكب تقديراً خاطئاً ليس في لبنان فقط بل في المنطقة.
لكن مناوئي الحزب يؤكدون إنها رسالة الى الداخل اللبناني، فلا حاجة لـ«حزب الله» لتوجيه مثل تلك الرسائل كون الحدود داخلة في مرحلة طويلة من الهدوء في سبيل مصلحة مشتركة باستخراج الثروات البحرية.
يذهب هؤلاء الى التأكيد بأن هذه المناورة وغيرها لن تقدّم ولن تؤخّر في الضغط على مخاصمي فرنجية من معارضين ومستقلين وتيار وطني حر، للسير في مرشح الثنائي. هذا إضافة الى أن القراءة الاقليمية لهؤلاء الأفرقاء المختلفين مؤداها أن الدول الكبرى والعربية المعنية، باستثناء فرنسا (وهذا فيه بحث) وروسيا، يعارضون وصول مرشح «حزب الله».
اليوم باتت الكرة في ملعب معارضي فرنجية لاختيار المرشح الأكثر جديّة للرئاسة بما لا يستفز «حزب الله». هنا بالذات تكمن صعوبة هذا الخيار، وهنا بالذات سيكون تحدي الاتفاق بين المعارضة والتيار على مرشح.
على أن الأمور حتى هذه اللحظة ما زالت غير ناضجة.