الكباش الاقليمي بين السعودية وإيران لن يكون بعيداً عن لبنان. وحزب الله الذي استشعر قبل اندلاع الخلاف تطويقاً له، إقليمياً ودولياً، سيكون أكثر تشدداً في المرحلة المقبلة
يتأرجح الانشغال اللبناني الداخلي بارتدادات التوتر السعودي ــ الايراني، وقطع الرياض علاقاتها الديبلوماسية مع طهران بعد إعدام الشيخ نمر النمر، بين مستويين سياسي وأمني. فما حصل مع انفجار الخلاف السعودي ــ الايراني يؤشر الى أن لبنان لن يكون بعيداً عن كونه ساحة تجاذب مجدداً على وقع تطورات الايام الاخيرة، قبل أن ينجلي مصير الخلاف الاقليمي الحاد. والمخاوف جدية من أن يعود البلد الى قلب هذا الصراع، بعد أشهر طويلة من الاستقرار. ولعل إشارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى لبنان وتدخل إيران فيه أحد المؤشرات المقلقة.
كان من الطبيعي أن تلجأ الرياض، بحسب سياسي مطلع، الى اتخاذ خطوة تصعيدية مع إيران، بعدما ثبت لديها، إثر أشهر من المفاوضات والاتصالات حول سوريا واليمن والعراق، أن ما يرسم من تسويات أو ترتيبات لا يرقى الى ما كانت تبتغيه. وإذا كانت سوريا تشكل بالنسبة اليها مركز اهتمام غير مسبوق، وهي سعت في الاسابيع الاخيرة الى تكثيف دورها وجمع القوى المعارضة السورية، إلا أنها أيقنت أن الحصة التي قد تنالها من التسوية ليست على قدر طموحها. ففي أولويات المطالب السعودية إسقاط الرئيس بشار الاسد، إضافة الى مطالب أخرى. لكن الاسد، بعد سنوات من الحرب والمفاوضات من جنيف الى فيينا وغيرهما، لا يزال باقياً في الحكم، ولو لم يكن هذا الحكم يسيطر على كامل الاراضي السورية. وفي وقت يقترب فيه الموقف الأميركي من الموقف الروسي من إيجاد تسوية لسوريا، وجدت السعودية نفسها خارج إطار يسمح لها بأن تكون رأس حربة في مشروع التسويات المقترحة، أو أن تنال على الاقل ما يمكّنها من إبقاء ورقتها حية في سوريا.
من هنا بدأت السعودية تصعيد مواقفها ورفع ثمن تشددها من أجل شروط جديدة للتفاوض حول مقترحات التسوية في سوريا وغيرها من دول المنطقة. وإذا كان ثمة ربط بين إعدام الشيخ النمر واغتيال قائد جيش الاسلام زهران علوش، بغض النظر عن الدول التي استفادت من تسليم رأس الاخير، إلا أن ما حصل لاحقاً من تصعيد ديبلوماسي وتذكير بدور إيران في سوريا ولبنان، يعني أن ثمة مرحلة جديدة، يخشى أن تترجم بمرحلة عنف جديدة في ساحات التجاذب بين مشروعين ومحورين، قبل أن يحين موعد التسوية بينهما.
ما يعني لبنان يكمن أيضاً في الخوف من زعزعة الاستقرار الامني بمعناه الخطر. لكن المخاوف تحمل وجهين: قوى 8 آذار تخشى مجدداً انفلات الشارع الاصولي وعودة التنظيمات الاصولية الى تفجير الوضع الداخلي تحت عناوين مستجدة. وكان واضحاً في الايام الاخيرة كثافة التوقيفات الامنية والمحاولات لضبط الوضع الامني في أكثر من منطقة. أما الوجه الآخر، فيكمن في مخاوف فريق 14 آذار من توتير الوضع الداخلي على يد حزب الله كرد فعل على التصعيد السعودي. ما كان يحكى في الايام الاخيرة في أوساط قوى 14 آذار، دلت عليه كتلة المستقبل أمس بتذكيرها بـ7 أيار وبالقمصان السود. وهي مخاوف جدية تتحدث بها أوساط الطرفين.
لكن، بقدر ما كبرت المخاوف الامنية أخيراً، طغى التركيز السياسي على جانب التهدئة. اللافت في ذلك أنه بخلاف حزب الله الذي صعّد لهجته، ولا سيما من جانب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، من دون أن يقطع الحوار الثنائي، كانت قيادات 14 آذار تؤكد أنها تريد التهدئة، ويصرّ المستقبل من ناحيته على استكمال الحوار مع الحزب، وكأن الخشية الامنية من رد فعل الحزب داخلياً هي تماماً كما عبّر عنه بيان المستقبل.
وإذا كانت الانظار موجهة نحو جلسة الحوار بين حزب الله والمستقبل الاسبوع المقبل، فإن الطرفين قالا ما عندهما أمس، تماماً كما يحصل عند أي اشتباك محلي بين الطرفين يترافق مع تصعيد كلامي، علماً بأنه منذ بدء الحوار الثنائي، بينهما، لم تشهد العلاقة السعودية ــ الايرانية مثل هذا التدهور. لكن منذ حادثة منى تصاعدت الخشية على مصير الحوار بين المستقبل وحزب الله. لذا ينظر الى أي تطور يمكن أن يخرج الامور من عقالها السياسي بين الطرفين وينعكس على الحوار بينهما، على أنه محكوم بقرار كبير يخرج لبنان كله من دائرة الاستقرار الذي تحركت أكثر من جهة دولية في الايام الاخيرة للحفاظ عليه وحمايته لدى القوى الاقليمية المؤثرة.
أما الانتخابات الرئاسية التي تضررت أيضاً بفعل الكباش السعودي ــ الايراني، فلا مكان لها اليوم في كل التطورات الاخيرة. لا بل إن هذا الانفلات غير المسبوق أثبت للذين كانوا يروّجون لتسوية رئاسية بضمانة سعودية ورضى إيراني، أن لا وجود لمثل هذا الصفقات في الوقت الراهن. لا بل إن المسار المنطقي لمثل هذا التطور الاقليمي يكمن في تشدد حزب الله مجدداً في الملف الرئاسي وفي التمسك بمرشحه العماد ميشال عون، لا السير بمرشح، ولو كان من قوى 8 آذار، طرحه الرئيس سعد الحريري وبموافقة سعودية، كما يؤكد فريقه المقرّب. فالحزب الذي استشعر تطويقاً له دولياً عبر عقوبات مالية، وإقليمياً ومحلياً عبر اغتيال سمير القنطار ومحاولة صياغة تسوية رئاسية وفرضها عليه، لن يسلم بسهولة بتسوية رئاسية، في ظل اشتباك سعودي ــ إيراني بهذه الحدة، وفي ظرف إقليمي دقيق. وقد يكون الكلام من الآن فصاعداً هو قلب المعادلة: من يرد التسوية فليأت الى مرشحنا، لا العكس. هذا إذا افترضنا أنه لا يزال ممكناً بعد الحديث عن انتخابات رئاسية في لبنان.