«اللي بيحب يفلّ.. الله معو»، عبارة قالها امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله… وبالعامية، انشغلت بها الصالونات السياسية في لبنان، لتخضعها لقراءة متأنية وتمحيص، عما يمكن ان تحمله من دلالات ومؤشرات، تميل الى انها تعكس حال الارتياح التي يشعر بها «حزب الله»، اكان في الداخل اللبناني… ام في الداخل السوري، وهو الذي دخل المعركة العسكرية لدعم الرئيس بشار الاسد، وسط حملة شرسة استهدفت مشاركته، قبل ان تتغير الاستراتيجيات الاقليمية والدولية، التي تصب بمجملها لمصلحة معسكر بات يرتبط بدولة عظمى ومؤثرة تمثلها روسيا التي ترجمت سياساتها الاستراتيجية بدخول عسكري مباشر.
وبرأي اوساط سياسية مقربة من قوى الثامن من آذار، فان لبنان، بقياداته ومسؤوليه، متلقّ للتداعيات والمتغيرات الحاصلة بصورة مضطردة في المنطقة، وبخاصة في الخارطة العسكرية للمعارك الجارية في سوريا، بعد اسابيع قليلة من الدخول العسكري الروسي، والذي عزز وضعية الرئيس بشار الاسد ونظامه الذي قدم صمودا فاجأ المراهنين على سقوطه في الاشهر الاولى من اندلاع الازمة السورية، وان اي حلول للازمة التي تتخبط بها الساحة السياسية لن تولد في المدى المنظور، الا اذا تسارعت اكثر وتيرة المتغيرات الاقليمية.
وتصف الاوساط، الجلسات «المفترضة» للهيئة العامة لمجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، بـ «ألمسلسل التركي» الذي تمتد حلقاته الى درجة لا يعود فيها المرء يُحصي عدد حلقاته، ويقول: قد تتغير خرائط دول ويتبدل الواقع الديموغرافي لدول اخرى، وتحدث انقلابات في موازين القوى الاقليمية والدولية… ويبقى الملف الرئاسي خارج الحسابات الكبرى، طالما ان خارطة المنطقة ترسمها صواريخ بحر قزوين، وسط كباش بين قوى عظمى.
وتلفت الاوساط، الى ان كل ما حصل عليه لبنان من صانعي السياسات الاقليمية والدولية، وبخاصة من الدول ذات التأثير المباشر على المنطقة، هو نصائح بالحفاظ على الهيكل، وان كان من دون قيمة، بالمقارنة مع حجم التحديات التي تشهدها الساحتان الاقليمية والدولية، وكأن المسلمة باتت وواضحة وترتكز الى ثابتة قد تبدو يتيمة، تقوم على منع الانهيار الكامل في لبنان، لقطع الطريق على الساعين ليكون بلد الارز ساحة جديدة من ساحات الاشتعال الامني الممتد على مستوى المنطقة، وهو امر لا يرغبه اللاعبون الكبار في السياسات الدولية، وترى ان اللحظة لم تحن بعد لولادة صفقة سياسية من شأنها ان تُخرج البلد من ازمته، والمناخ السياسي السائد اليوم، يختلف كليا عن مناخ ولادة اتفاق الدوحة الذي انتج انتخابات رئاسية و تشكيل حكومة وتمديدين لمجلس النواب.
وتجزم بأن الخطوات التصعيدية التي انتهجها تيار المستقبل لاستهداف «حزب الله»، لن تأخذ مداها الذي يفترضه البعض، طالما ان المستقبل يدرك ان تفجير الاوضاع السياسية في لبنان، سيحمل الكثير من التداعيات الامنية، ومن غير المستبعد ان يسهم اي تفجير يلجأ اليه «المستقبل» في مواجهة «حزب الله»، في تعزيز وضع اخصامه الداخليين في حلف ارتسم مؤخرا على الارض السورية، لدعم الاسد والذي توج بالدخول العسكري الروسي في المعارك ضد «داعش» وتوابعه في سوريا، الامر الذي شكل صدمة للاطراف المنادية باسقاط الاسد، وهذا ما تقرأه السعودية التي تتخبط بملفين جوهريين امامها، صمود الرئيس السوري بشار الاسد امام الحرب التي تشنها التنظيمات الارهابية.
ان «حزب الله» لن يكون متمسكا بحكومة منهارة متآكلة باتت تُحرجه امام جمهوره، جراء استفحال الازمات المعيشية مقابل العجز الحكومي المستدام حيالها، لكنه لن يكون المبادر الى فرطها، وبالتالي، فان ما قاله امين عام الحزب السيد حسن نصرالله عن مصير «تيار المستقبل» داخل الحكومة، وهو ما «هدد» به احد صقور التيار الوزير نهاد المشنوق، بالقول: «اللي بيحب يفل… الله معو»، كان يمكن ان يقوله اي نائب او وزير من «حزب الله»، لكنه اراد ان يرسم خطا فاصلا بين الحوار والابتزاز .. والتمنين او«تربيح الجميلة» على اجراء الحوار، اللهم الا اذا اراد المشنوق ان يدب الحياة بتيار المستقبل ليستعيد بعضا من جمهوره التائه بين ولائه السياسي ومصالحه الحياتية، بعد تراجع مريع لموقع «المستقبل» والتأزم في العلاقة بينه وبين جمهوره الذي يتخبط بازماته، شأنه شأن معظم اللبنانيين.
وتضيف الاوساط، كان يمكن لـ «حزب الله» ان يكلف نائبا او وزيرا او ان يلجأ الى اصدار بيان للعلاقات الاعلامية، ليرد على ما قاله المشنوق، لكنه، وبكلام لسيده في مناسبة استشهاد احد ابرز قادته العسكريين في سوريا حسن محمد الحاج، فانما اراد ان يرسم الخطوط غير القابلة للمفاوضة او المساومة او الابتزاز، «حزب الله» هو في مرحلة لم يعد يحتاج التسول لتهدئة الساحة الداخلية من توترات وتشنجات لجأ اليها تيار المستقبل لتجييش شارعه باتجاه مذهبي لاستهدافه.
وتشير الاوساط الى ان ما لمسته الاطراف والقوى السياسية من الخارج، يدلل على ان الوضع اللبناني الهش لن يكون معرضا للانهيار، طالما ان الخارج المنشغل بملفات استراتيجية، غير مهتم بالانشغال في ملف صُنِّف بـ «الهامشي»، في وقت يبدو ان البعض في لبنان اصيب بـ «زهايمر» سياسي، جعله يخطئ في الحسابات والرهانات، وفي القضايا الكبرى والصغرى، فيما خارطة المنطقة باتت ترسمها الصواريخ المنصوبة في بحر قزوين وفي وجبات «السوخوي» في السماء السورية.
لكن يبقى من يسأل في صفوف اخصام «حزب الله»، ماذا لو تمدد النفوذ الروسي في سوريا الى لبنان؟ والذي سيكون معززا بتحقيق انجازات في الحملة العسكرية التي تخوضها بالشراكة مع ايران و«حزب الله» لتعزيز صمود الرئيس الاسد، سيما ان تباشير هذه الانجازات بدأت تلوح في افق الحرب في سوريا.