IMLebanon

“حزب الله” بعد دخول الحرب في سوريا عامها الخامس: رهانات تحققت داخلياً وخارجياً رغم جسامة التضحيات

توشك الاحداث الملتهبة في الساحة السورية ان تطوي عامها الرابع لتبدأ عاماً جديداً يعد بمزيد من الفصول المأسوية من جهة، وبأفق مسدود أمام أية احتمالات من شأنها ان تضع نقطة على آخر سطور هذه المأساة.

حيال تلك الأجواء المكفهرة يبقى السؤال المركزي: ماذا عن لبنان وأية احتمالات ومفاجآت تنتظره؟ واستطراداً ماذا في رهانات وتصورات أقوى اللاعبين فيه أي “حزب الله”.

لا ريب في أن الرياح الحارة الآتية من الساحة المجاورة لفحت الى حد الاحتراق أركان الساحة الداخلية خلال الاعوام الأربعة المنصرمة ووضعتهم على شفا الهاوية، لا سيما بعد تطورين انطويا على قدر كبير من الخطورة.

الأول: تضخم آمال فريق من اللبنانيين لتبلغ بهم حدود الرهان على سقوط حتمي ووشيك للنظام في سوريا مما يفتح الأبواب أمام تحولات في الداخل اللبناني تقلب المشهد رأساً على عقب.

وعليه انزلق هذا الفريق الى حدود الاسناد المادي والمعنوي لمن وصفهم صراحة بـ”الثوار” في سوريا، وانخرط بشكل أو بآخر في جبهة اسناد ودعم للمنتفضين على النظام، وسجّلت أحداث جسام في مناطق شمالية وفي البقاع وامتداداً الى صيدا.

الثاني: انزلاق “حزب الله” الى الميدان السوري داعماً النظام بعدما استشعر مخاطر متعاظمة من احتمال تداعي هذا النظام وزواله، فكان رد الفريق الآخر حملة سياسية حادة وشرسة على ما سمّاه توريط الحزب للبنان، رافعاً شعار الدعوة الى عودة الحزب سريعاً شرطاً لأي عملية “تشاركية” معه.

هكذا، وفي العام الثالث من اندلاع اللهب في الساحة السورية، كان السؤال الأبرز في بيروت: متى يندلع لهب المواجهات في الداخل اللبناني على نطاق واسع، وأي نهاية ستنتهي اليها الحرب الأهلية المحتملة هذه المرة؟ وقد كبر هذا السؤال مع بروز العديد من الاشتباكات ومع دخول الانتحاريين على الخط عبر سلسلة من التفجيرات بالسيارات والاجساد المفخخة إثر قرار واضح من العقل المركزي المخطط عند الارهاب بضم لبنان الى ساحة حربه المفتوحة في المنطقة.

لكن تطورات الاشهر السبعة الأخيرة، وتحديداً منذ 2 آب الماضي، رسمت مشهداً داخلياً يراوح بين واقعين:

– استقرار داخلي يعتد به ويمكن البناء عليه في قابل الايام.

– اخطار حدودية كامنة يراها البعض وشيكة ويضخم خطرها الى حد اعتباره خطراً وجودياً على الكيان، لا سيما مع نشر تقديرات عن حجم الارهابيين وتسليحهم.

في الواقع الاول يبدو “حزب الله” الأكثر اطمئناناً، ففي دوائره الداخلية ثمة من يعقد مقارنة بين مرحلتين: الاولى مرحلة بدايات الحرب في سوريا وما برز خلالها من مخاوف لحظة التيقن من عجز النظام عن الحسم العسكري السريع على نحو يعيد الأمور سيرتها الاولى، وبعدما استشعر العقل المفكر في الحزب ان ثمة قراراً متخذاً سلفاً باسقاط النظام السوري، وبالتالي فرط عقد المحور المنضوي تحت جناحه.

كان على الحزب ان يوائم بين أمرين: الأول الحفاظ على استقرار داخلي يعصمه من اي فتنة داخلية قد يجره خصومه اليها، والثاني كيفية تبرير أي ولوج الى الميدان السوري خصوصاً ان القرار قد اتخذ بالسير في الخيار البالغ الصعوبة والمخاطر.

بالاجمال، أيقن الحزب آنذاك أنه بات في عين العاصفة وانه أمام مفترق خطر، فاختار كعادته الهروب الى الامام والتزم خيار المواجهة مع كل ما ينجم عنها من تداعيات، لاسيما بعد بروز أمرين لاحقاً: الاول تيقنه أن من بدأ بمواجهتهم هم محترفون وعلى درجة عالية من الاستعداد والاندفاع. والثاني توالي عودة جثامين نخبة مقاتليه من الميدان بالعشرات يومياً.

وبالتزامن نجح خصوم الحزب في الداخل في فتح أبواب مواجهة معه هي دون الحرب الواسعة ولكنها فوق مستوى الاشتباك المرحلي، فضلاً عن انها كانت حرباً متنقلة.

ذهب الحزب في التحدي الى منتهاه وفي المغامرة الى أقصاها، وبعد هذه الاعوام العجاف يرى الحزب ان رهاناته ربحت وذلك بناء على المعطيات الآتية:

– في سوريا صمد النظام وانتقل من الدفاع الى الهجوم واسترداد ما خسره وهو ليس بالقليل.

– وفي العالم كله بات الارهاب الذي تصدى الحزب له باكراً خطراً يقض مضاجع الجميع، وهو ما جعل تدخله في سوريا أمراً مقبولاً أو مسكوتاً عنه أكثر من اي وقت مضى.

– في الداخل تراكمت تحولات دفعت خصمه الألد أي “تيار المستقبل” الى الجلوس معه في رحلة حوار واعدة بدأت تعطي طحناً بعدما راهن كثر على أنها ستكون جعجعة محضة، وهو ما اعاد التوازن الى الساحة الداخلية.

– وعلى المستوى الرئاسي، تدحرجت الأمور في اتجاه صيرورة حظ وصول حليفه العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة الاولى أكبر من أي وقت مضى، لا سيما بعد جولة اللقاءات التي عقدها الرئيس سعد الحريري في بيروت أخيراً والافصاح عن رغبته في العودة الى الرئاسة الثالثة وعن استعداده للقبول بالشروط التي تضمن هذه العودة.

وهكذا ثمة في الحزب من يحتفل الآن بنجاح رهاناته ورحلة دخوله الى سوريا التي عدت في حينها مغامرة غير مأمونة العواقب وتدحرجاً منه نحو مكان استنزافه وتبديد انجازاته وتغير هويته، بحيث نقلته من” صف نصير المظلومين” الى “مقام دعم الظالمين” على حد ما ورد في الرسالة المفتوحة التي وجهها الراحل السيد هاني فحص الى قيادة الحزب في حينه.

أما على مستوى مخاطر الارهاب والتحديات التي يفرضها وجوده على الحدود الشرقية ودخول الجيش طرفاً مباشراً في مواجهته على الحدود أو عبر عمليات ملاحقة في الداخل، فان الحزب على يقين من ثلاثة أمور:

– ان لبنان كله يستشعر ان تحذيرات الحزب السابقة من خطر الارهاب هي جدية.

– ان حالات التعاطف والبيئات الحاضنة للارهاب في الداخل قد تبددت وانكمشت.

– ان لا حركة ولا سكون في المعادلة الداخلية رغماً عن إرادته.