لا تفسح التطورات التي تتركز بقوة على الملف السوري إن لجهة تعزيز روسيا وجودها العسكري في سوريا على نحو لا سابق له خلال ما يزيد على أربع سنوات من الحرب السورية وردود الفعل القلقة من الغرب على هذا التعزيز أو لجهة المبادرات الغربية التي تحاول أن تردم منتصف المسافة التي تبعدها عن أبرز داعمي الرئيس السوري بشار الأسد أي إيران وروسيا، الا أمام الاعتقاد بأن طاولة الحوار اللبناني التي انعقدت قبل يومين في ساحة النجمة هي من أجل كسب الوقت ليس إلا في هذه المرحلة بالذات وهي لم تفعل في الواقع سوى إثبات ذلك ليس أكثر ولا أقل. إذ ان النتيجة التي انتهت إليها الجلسة وبالطريقة التي انتهت بها تصب فقط في هذا الاطار. والبعض يسحب ذلك على جلسة مجلس الوزراء التي وإن حضرها ممثلان لكل من “حزب الله” والتيار العوني، فإن تحفظهما عن خطة الوزير أكرم شهيب لمعالجة أزمة النفايات والجدل الذي رافق مناقشة الخطة لا يوحي أن الأمور صافية بل على العكس من ذلك فهي مستمرة في التعقيد.
لكن في ما خص طاولة الحوار وبنودها التي يشكل موضوع الانتخابات الرئاسية أحد أبرز بنودها ومحورها، فإن المخاض الصعب الجاري في سوريا بما في ذلك المبادرات من أجل حلول، سواء أدى الى نتائج في المدى المنظور أم لا، لا يسمح بالرهان على أن الوضع اللبناني سيفرج عنه قبل اتضاح مؤشرات هذا المخاض أو أفقه. يقول أحد الوزراء الفاعلين إن النائب سليمان فرنجيه قد يكون أكثر من اختصر الوضع بقوله على طاولة الحوار انه يجب أن نوفر للرئيس تمام سلام الدعم لمعالجة النفايات وجمعها في الشوارع ولتأمين بعض الكهرباء لأننا لسنا من الذين يتصدون للقضايا الكبرى كما قال. يعرف الجميع على الطاولة أن لا شيء جاهزاً للرئاسة في الظروف الراهنة وإن دخلوا في محاولة إبراز وجهات نظر معروفة من دون أن يتمكن أحدهم من إقناع الآخر. ولذلك لا تكتسب أهمية كبرى في رأي مصادر مطلعة المواقف المتزايدة لـ”حزب الله” منذ يوم الأحد الماضي حيث تبارى المسؤولون في الحزب في تأكيد التمسك بالعماد ميشال عون والإصرار عليه ولا كذلك الزيارة التي قام بها وفد من الحزب الى بكركي قبيل انعقاد جلسة الحوار للإعلان عن التمسك بعون أيضاً مراراً وتكراراً. فالنتائج التي بات كثر على يقين منها أن لدى الحزب أسبابه في السعي الى تأكيد موقفه ونتيجة تحالفه مع التيار العوني وحتمية مراعاة مصلحته معه الى الآخر، لكن المغزى في مواقف الحزب المتكررة هو ايصال رسالة بشقين أحدهما انه لا يود أن يرمى بتعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، هو الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، ما دام لديه مرشح يدعمه ولا ينوي الابتعاد عن هذا الخيار راهناً. والأمر الآخر ان الحزب لن يقبل بمعيار للرئاسة خارج المعايير التي حددها في دعم ترشيح العماد عون أي أن يدعم المقاومة وتطمئن هذه إليه. ويضيف بعض المطلعين شقاً ثالثاً الى المواقف المتتالية للحزب والتي سبقت انعقاد طاولة الحوار، بعضها بأيام قليلة وأخرى بأقل من ساعتين، ان الحوار حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية لن يدفع الحزب الى التفاوض على رئيس توافقي أو وسطي كما يرغب سائر الأفرقاء السياسيون. إذ لا شك أن الحزب يمتلك تلك المعلومات التي تفيد عن محاولة توريط الفاتيكان خلال زيارة موفده الى بيروت الكاردينال دومينيك مومبرتي قبل شهرين بضرورة توليه مهمة إقناع بعض الأفرقاء بدعم ترشيح العماد عون للرئاسة من دون أن ينجح هذا المسعى. ولذلك فإن الزيارة الى بكركي هي في رمزيتها. فمن خلال الإصرار على دعم ترشيح عون أكان ذلك بغاية انتخابه أم لا باعتبار أن لكلا الاحتمالين أصحابه المبررون لمنطقه، فإن الرسالة الموجهة الى طاولة الحوار هي أن لا نية لدى الحزب بالمساومة حول هذا الأمر أي عدم إمكان المجيء برئيس وسطي أو تسووي. فحتى لو ان الأمر ليس ناضجاً الآن من أجل الانتخابات الرئاسية فإن العزف على وتر استمرار دعم ترشيح عون لا يصب إلا في هذا الإطار وفق ما تقول مصادر مطلعة ويستمر التحضير لذلك في انتظار أن يحين الأوان جنباً الى جنب الملف السوري.
إذ تعتقد هذه المصادر أن الدفع على هذا الصعيد يرتبط خصوصاً بما يمكن ان يتم التفاوض عليه بنتيجة الأمر بالنسبة الى مصير الرئيس السوري وموقعه في مستقبل سوريا. فثمة أثمان يمكن أن يقايض عليها في البازار المرتقب بحيث تشمل هذه الأثمان لبنان أيضاً نتيجة شموله من جانب إيران والحزب من ضمن الصفقة التي يفترض أن تتوج حلاً لأزمة سوريا انطلاقاً من أن “حزب الله” الذي وظف كل قدراته وشبابه للدفاع عن بشار الأسد وما يمثله موقعه بالنسبة الى مصلحته ومصالح إيران يحتاج الى ما قد يوازي ذلك لجهة تقديم الضمانات له خصوصاً إذا كان لا مستقبل لبشار الأسد في سوريا ما خلا بضعة أشهر مع انطلاق المرحلة الانتقالية متى تم الاتفاق على تفاصيلها وفق ما تحاول الدول الغربية أن تغري حلفاء بشار الأسد به.