يبدو من كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله المُتكرّر حول الجرود ووجود المسلحين فيها والمعطوف على دعواته المتلاحقة لهم للانسحاب منها من خلال طرق سلمية «حقناً للدماء»، أن المفاوضات التي يخوضها الحزب مع جبهة «فتح الشام» (النصرة سابقاً)، لم تصل بعد إلى الخواتيم التي يرجوها ولا إلى نتائج ملموسة يُمكن أن يبني عليها في المستقبل ما يطمح اليه مثل بسط سيطرته على كامل الجرود خصوصاً في ظل ارتفاع منسوب خساراته المتنوّعة مع تزايد الحديث عن اقتراب خروجه من هذه الحرب خالي الوفاض من دون أي مُكتسبات يُمكن أن يرتكز أو يركن اليها في يوم المساءلة أمام جمهوره.
خلال إطلالته في ذكرى القيادي مصطفى بدر الدين، تطرق نصرالله إلى الوضع في بلدة عرسال وجرودها حيث قال: «إن الحدود اللبنانية باستثناء جرود عرسال خرجت من دائرة التهديد العسكري وأنه لم يعد هناك بلدات على امتداد الحدود ولا قواعد ولا جبال ولا تلال ولا مواقع لتنطلق منها الجماعات المسلحة وتهدد عسكريا». ليعود ويتطرق إلى الأمر ذاته يوم الخميس الماضي خلال إطلالة تلفزيونية بمناسبة عيد «المقاومة والتحرير» ليُلفت إلى «أننا حريصون على حقن الدماء وانهاء ملف جرود عرسال بالطرق السلمية وعلى الجميع أن يبذل جهدًا في هذا المجال»، متوجهًا إلى المسلحين في جرود عرسال بالقول: «لا أفق لمعركتكم ولا أمل لكم فلتكن الفرصة المناسبة للانتهاء من هذا الملف بأفضل وسيلة ممكنة».
يُمكن الإستدلال من خلال الإطلالتين الاخيرتين، إلى عقم المفاوضات الحاصلة بين «حزب الله» و«النصرة» على أكثر من ملف من بينها ملفا الأسرى وتبادل الجثث. ففي الأول ما زال للحزب ثلاثة عناصر محتجزين لدى «النصرة» يُعتقد أنهم موجودون في منطقة القلمون الغربي. اما في الثاني، فتؤكد المعلومات أن هناك جثثا تعود لخمسة عناصر من الحزب، مازالت «النصرة» تحتفظ بها في مكان يُصعب على الحزب تحديده على الرغم من محاولات سعيه السابقة للكشف عن مكان وجودهم، لكن من دون أن ينجح. وهو أمر ما زال يُسبب للحزب الكثير من الإحراج تحديداً تجاه أهالي هؤلاء العناصر الذين يُقال إن بعضهم فقدوا الاتصال بأبنائهم منذ ما يزيد على ثلاث سنوات.
من المؤكد أن «حزب الله» سوف يبذل في الفترة المُقبلة، جهوداً كبيرة في سبيل التوصّل إلى أي إتفاق مع «النصرة»، يُمكن أن يُنهي وجودها في الجرود، وهو أمر سيُمهد بحسب قراءات الحزب، إلى انسحاب بقيّة الفصائل المُقاتلة المتواجدة في الجرود بعضها يتبع لـ«الجيش السوري الحر» وبعضها الآخر لتنظيم «داعش» إضافة إلى عدة الوية وفصائل أخرى مُشكّلة من أهل القلمون. وقد كلّف «حزب الله» لهذه المفاوضات، مجموعة من رجال أعمال سوريين وعلماء دين بعضهم يسكن في مخيمات النزوح في عرسال وبعض مناطق البقاع على رأسهم شيخ يُدعى أبو ياسر الدمشقي. لكن حتى اليوم، لم تُكلّل كل تلك المساعي بالنجاح إذ يتخللها عراقيل جمّة يقف بعضها عند الجهة التي يُمكن أن تنسحب الفصائل باتجاهها. وأهم ما يُمكن أن يخرج به الحزب في حال تمكّن من إنجاز الصفقة مع «النصرة»، اخضاع المنطقة بأكملها بريفي دمشق وحمص بالتزامن مع سعيه إلى تأمين وجوده في الجنوب السوري مثل القنيطرة والجولان، لبسط سيطرته التامة.
«تنظيف» الجرود من وجود المُسلحين في ما لو تمّ تحقيقه، هو بكل تأكيد بمثابة إنجاز نوعي يُمكن أن يُسجله الحزب لصالحه في ظل تزايد الخسائر التي ما زالت تلاحقه في منطقة القلمون الغربي، بعدما أراح نفسه من خلال الإنسحاب من مواقعه على الحدود اللبنانية ـــ السورية كما جاء على لسان نصرالله منذ اسبوعين، حتّى لو ظل هذا الانسحاب موضع شك لدى كثيرين من المراقبين خصوصاً أن للحزب حتى الساعة، العديد من النقاط والمراكز العسكرية والأمنية في الجرود المتصلة بين لبنان وسوريا. والسؤال هنا، يتمحور حول أهمية قيام الحزب بهذا «التكتيك» والنتائج التي يُمكن أن يحصدها من ورائه.
ثمة معلومات يتم التدوال بها داخل البيئة المقربة من «حزب الله»، تؤكد أنه توجد نيّة حقيقية لدى الأميركي بتوجيه ضربة لمواقع الحزب على طول الحدود اللبنانية ـــ السورية خصوصاً في المواقع القريبة من القنيطرة والجولان. وتترافق هذه المعلومات، مع تأكيدات بأن مواقعه في لبنان ستكون في منأى عن توجيه أي ضربة مماثلة. وتُشيع بيئة الحزب أن انسحاب ما يُقارب الألفين عنصر من المواقع الحدودية ويُضاف اليهم عديد البديل بحيث يصل العدد الى ثلاثة الاف عنصر، يُمكن أن ينعكس ارتياحاً مادياً على «حزب الله» خصوصاً في ظل الأزمة المالية التي يُعاني منها في الفترة الأخيرة. علمأ أن أجواء من داخل الحزب تُشيع بأن التضييق المالي لم ينعكس على الاطلاق على منظومة الحزب ولا على رواتب عناصره ولا على حجم المساعدات التي يُقدمها للمؤسسات التي تُعنى بالتواصل المُباشر مع عوائل شهدائه وجرحاه، إنما اقتصرت على المساعدات الشهرية التي يقدمها إلى حلفائه في الداخل والخارج وتمويل المشاريع التي يُمكن أن يجني الأرباح من ورائها.
اليوم، وبعد مضي ست سنوات تقريباً على انزلاقه في الحرب السورية، يُصعب على «حزب الله» أن يرتضي لنفسه الخروج من المستنقع السوري بعد هذا الكم المتعدد والمتنوّع من الخسائر التي مُني بها طيلة فترة قتاله الممتدة حتى اليوم، من دون تحقيق أي مكتسبات يُمكن أن تعوّضه عنها أو أن يُجاهر بها أمام خصومه وبيئته على السواء خصوصاً إذا ما اضطرته الظروف ذات يوم، الى الكشف عن «الإنجازات» التي حقّقها مقابل كمية الخسائر الباهظة والمُكلفة التي ما زال يتكبدها، والتي يبدو أنها في تزايد مستمر على الرغم من عمليات التفاوض التي يُبرمها من وقت إلى آخر، مع الفصائل المسلحة من فوق الطاولة وتحتها.