يبني «حزب الله» صورته «الخارقة» التي استطاعت «قهر اقوى جيوش العالم واكثرها تطورا وتجهيزا والتي عجز العرب مجتمعين على الوقوف بوجهها» على ما يردد دوما، بالدرجة الاولى على «نوعية» و»هيبة» عناصره العسكرية. تصاعد هذا التسويق الصوري والاعلامي للحزب خصوصا بعد حرب تموز عام 2006، يوم اشيع ولسنوات متتالية بعدها باللغة الشعبية اللبنانية «الجيش الاسرائيلي يمتلك المقدرات العسكرية ولكنه جبان بطبعه، فيما يفتقد حزب الله العتاد العسكري المتطور والمتوازن مع ذلك الاسرائيلي، الا انه يمتلك جيشا وهيكلية بشرية عسكرية شجاعة ومتماسكة ومندفعة تنقله الى موقع القوة على ارض المعارك».
منذ اربعة ايام بالتحديد، انتشر فيديو حربي يظهر استهداف أحد فصائل المعارضة في الرابع من تشرين الثاني الجاري لمجموعة كاملة من عناصر «حزب الله» بصاروخ تاو في حي الراموسة، وتحديدا على تلة «أحد» ما ادى الى مقتل ثمانية عناصر من الحزب دفعة واحدة. الفيديو «الفضيحة« الذي حاولت مجموعات من الحزب على مواقع التواصل تطويق مفاعيله بالتبليغ عن كل حساب يعمد الى نشره او مشاركته او نسخ رابطه على صفحته الى ادارة «فايسبوك» التي عمدت بدورها الى اغلاق العديد من الحسابات لمدة ثلاثين يوما كعقاب على نشر الشريط المصور، الذي اظهر عناصر الحزب يدخلون الواحد تلو الآخر الى موقع عسكري من المفترض ان يكون مسيطراً عليه بالكامل من قبلهم، وبعد تجمعهم في نقطة واحدة تم استهدافهم بكل سهولة، وببساطة اكثر، لم يكلف الامر اكثر من صاروخ تاو أُطلق عن بُعدْ استطاع النيْل من العناصر الثمانية فيما لم تتكبد الجهة المستهدفة اي خسائر او عناء يذكر.
يحاول البعض ان يفهم: لماذا يحجب «حزب الله» هذا الفيديو او تلك الصورة؟ ولماذا يسمح او يعمد الى نشر صور استعراضات قوته العسكرية والسيطرة الكاملة على اراض ليس من شأنه أن تطأها أقدام عناصره حتى؟ الجواب العلمي وغير العاطفي شبه الوحيد هو الخوف. يخاف الحزب من تظهير صورته في موقع الضعيف والسهل استهدافه منذ وُجد. هذا الخوف تحول الى رعب منذ انغماسه بالحرب السورية.
فجأة وجد «حزب الله» نفسه امام معارضة فاضحة وفاعلة ومؤثرة لا تخاف، تنشر الارتكابات الاجرامية على العلن ولا تتراجع، تنتقد وتصوب وترفض اضاليل وتبريرات خطابات امينه العام فيزداد عدد الملتفين حولها. لم يعجب ذلك الحزب، هو الذي لم يعتد على نمط معارضة من قبل يصعب السيطرة عليها وتحجيمها ورسم خطوطها الحمراء وكبحها عند الحاجة. منذ اللحظة الاولى لدخوله الحرب السورية، افتتح جبهة افتراضية تعدت مئات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعات منظمة لرصد وصد والتهجم والتبليغ عن اي حساب يعارض سياسته ويعمد الى فضح افعاله، حتى ان الامين العام للحزب وصل حد تسمية الامور بأسمائها في احد خطاباته، حيث اتهم عدداً من الناشطين المعروفين بمعارضتهم للتدخل في الحرب السورية بـ»الحسابات المزورة والمموهة التي تعمل على تحريف الحقائق ولصق الجرائم الانسانية بالحزب خاصة فيما هو لا دخل له فيها»، ولم يتردد في احد هذه الخطابات في اتهام هذه الحسابات بالعمل «لصالح العدو الاسرائيلي». طبعا تهمة المدونين والناشطين جاهزة، يدافعون عن الشعب السوري المظلوم، ومعه عن كل نقطة دم لبنانية تسقط على ارض غير ارضها، شيعية كانت ام غير ذلك، يكتبون عن المعاناة الانسانية والاجتماعية للشعب السوري ومعه معاناة الطائفة الشيعية اللبنانية وحتى الشعب اللبناني بأكمله، مسار القمع والمأساة والموت بالرغم من تفاوت نسبته الا انه يكاد يتشابه. هم الذين ينشرون ويعممون صور المجاعات والمجازر والدمار ليرى العالم ما يحصل.
«توازن الرعب والقوة» هذا، الذي يفتقده بشكل كبير معارضو «حزب الله» واقعيا، استطاعت الشبكات الافتراضية تأمينه وبأسلوب فاعل ومؤثر جدا. وفيما يفتخر الحزب بنشر الصور والمقاطع المسجلة التي تظهره في موقع القوة حتى في خلال تخطيه للمعايير الانسانية والاخلاقية والتي تضعه في موقع الادانة، والتي تظهر نوعا من قدرته على السيطرة الكاملة، يرفض في المقابل اي تسريب لأي فيديو يظهر ضعفه، وغدر جنوده بأتفه الاساليب. واستطرادا، يكشف بشكل علني ومن دون اي «مونتاج» تضليلي، للشعب اللبناني وبيئة الحزب الضيقة واهالي العناصر خاصة ما يتعرض له ابناؤهم.
يمكن للحزب ان يحجب مقاطع مقتل عناصره، ويمنع الحقيقة الساطعة من الظهور الى العلن، ويغلق كل الحسابات الافتراضية التي تكشف فظائع انخراطه في الدم السوري، ويهدد كل من يتجرأ على كشف تفاصيل تدينه امام جمهوره، لكن السيطرة التامة على هذا الجحيم مستحيلة، فمن لم ير فيديو استهداف عناصر الحزب ومقتلهم على مواقع التواصل الاجتماعي، رأى جثامينهم بأم عينه يوارون في الثرى في تراب بلداتهم.