برغم الرهان الكبير على ما بعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، إلا أن نصائح وصلت الى لبنان، لا سيما إلى الذين اعتبروا أن الحلول بعد توقيع الاتفاق ستكون «كرجة مي»، تدعو إلى التمهل كون الأمور تحتاج الى مزيد من الوقت، ريثما تتبلور ترجمة ملفات المنطقة استماعا ونقاشا وتدوير زوايا للتسويات المرتقبة.
ومع تعدد القراءات، فإن مرجعاً سياسياً يرى أن «الإيراني يعرف تماماً أن معركته الحقيقية مع الغرب بدأت الآن، لأنه بعد 36 سنة من تقييد إيران بعقوبات جائرة وظالمة، بدأت أسوار العزلة الدولية تنهار بأيدي من صنعها من الغربيين، وبالتالي سيحاول الغرب زعزعة النظام الايراني عبر الاقتصاد والتنمية والاستثمار».
وهذا الأمر لا يحتاج الى كثير من الاستدلال لتأكيده «فهو صحيح وقائم». لكن في المقابل، المطلوب الإجابة عن سؤال جوهري هو: هل للغرب مصلحة في زعزعة النظام الايراني وتهديده مصالحه في طهران؟ التيار الغالب يقول إن هذا التوجه ليس قائماً، لكن ذلك لا يعني أن الحذر ليس ضرورياً، لذلك لن يكون الايراني مستعجلاً البدء ببحث الملفات الإقليمية قبل تحصين وضعه الداخلي بمزيد من الاحتياطات في مواجهة احتمالات مختلفة يرتبها فك العزلة الدولية.
في اعتقاد المرجع السياسي أنه لن تكون للاتفاق النووي انعكاسات سريعة على الملفات في المنطقة، وعندما تبدأ المفاوضات لتسوية الملفات العالقة، فإن الايراني الذي رفض وهو محاصر إعطاء الأميركيين والأوروبيين ما يريدون، هل يعطيهم بعد فك الحصار الدولي ما عجزوا عنه بالحصار؟ وبالتالي، من المتوقع أن يؤدي انتقال الايراني من موقع لآخر إلى جعله أكثر قدرة وأوسع هامشا في المناورة وإدارة دفة التفاوض على الصعيدين الاقليمي والدولي. أي ان المعادلة التي فرضها في حياكة الاتفاق النووي على مدار سنوات ستكون سيدة التفاوض على ملفات المنطقة في المرحلة المقبلة، أو بمعنى آخر سيتم تعميم معادلة «نربح جميعاً»، حيث التنازلات متبادلة من موقع التفاهم لا الفرض، بحيث لا يشعر أي فريق وطرف بأنه مهزوم أو مغبون.
وهذه القواعد التي ستعمم على ملفات المنطقة، ستكون بحاجة إلى من يلاقيها على المستوى العربي وامتداده الإقليمي، عبر بوادر حسن نية، أقربها إلى التحقق القيام باختبار نيات حول الملف اللبناني الذي يجمع أصحاب القرار أنه الأسهل على الحل. وكما انتزع الإيراني منذ بدء المفاوضات النووية مع الغربيين اعترافا صريحا لا لبس فيه بحقه المشروع في التخصيب وامتلاك القدرات النووية للأغراض السلمية، سينتزع حقاً مماثلاً وفق مقاربة جديدة تتصل بالملفات الاقليمية، لا سيما في الدول التي له الحلفاء الأقوى فيها، بحسب ما يرى المرجع السياسي.
لمزيد من التوضيح، يقول المرجع، مستنداً الى معطيات لديه، إنه «من الخطأ أن يتقدم السعودي الى طاولة التفاوض على قاعدة فرض ما عجز عنه على مدار قرابة 12 سنة في العراق و5 سنوات في سوريا». وباختصار، «لن يكون السعودي شريكاً في صياغة الحكم المستقبلي في سوريا التي ستبقى في الموقع الذي هي فيه الآن، وكذلك الأمر بالنسبة الى العراق، أما لبنانياً فالمحسوم أنه لن يكون هناك حل خارج سقف موافقة حزب الله».
إذاً على ماذا سيكون التفاوض؟ يؤكد المرجع أن «التفاوض سيكون محوره اليمن والبحرين والحفاظ على استقرار أنظمة الحكم في دول الخليج وفي الاردن. ومن يطلع على تفاصيل ما يحصل في بعض هذه الدول، يعرف لماذا لن يكون الايراني مستعجلاً الدخول في التفاوض، إذ إن أموراً كثيرة قد تتغير بلا تفاوض».