ليس هناك بالتأكيد أيُّ طرفٍ سياسيّ «بريء» من تهمة تأخير تأليف الحكومة، باستثناء الثنائي الشيعي الذي حسم باكراً جداً «التوزيعة» الوزارية، بالنِسَب، وأبعَد تدريجاً «المتطفّلين» على «حقائبه». فالنزاعاتُ حول الأحجام والحصص ونوعيّة الحقائب قادت بقية القوى السياسية، على رأسها رئاسة الجمهورية، الى الدخول في بازار العرض والطلب و»تكسير» أعراف أو تكريسها، ما يسمح بالجزم في أنّ ولادة الحكومة لن تكون سهلةً أبداً!
ثمّة إجماع على أنّ الرئيس المكلّف سعد الحريري ليس «مكلّفاً» وحده تشكيلَ الحكومة. يشاركه في القرار، بحكم الدستور رئيس الجمهورية ميشال عون، وبحكم الأمر الواقع كل من جبران باسيل وسمير جعجع ووليد جنبلاط وطلال إرسلان، و»حزب الله» وحركة «أمل» و»المردة»… وما يتردّد عن ضغط سعودي عليه بمراعاة بعض الاعتبارات في التأليف ينفيه الحريري باستمرار.
بعد إنقضاءِ شهرٍ على تكليفٍ زنّره التفاؤل في أيامه الأولى باتت كل المؤشرات تتقاطع عند التأكيد أنّ الأخير سيتجاوز مدة شهر ونصف الشهر التي استغرقتها ولادة حكومته الأولى في العهد.
لا يتوقف الأمر عند سببٍ شكليّ يتعلّق بسفر رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الخارج لنحو عشرة أيام، بل في إكتشافِ الحريري، وفق قريبين منه، أنّ عملية تصفية حسابات عونية- قواتية وعونية- جنبلاطية تجري على أرض حكومته التي تنازع لترى النور.
وأكثر من ذلك، يحتسِب الحريري لاحتمال معايشة قطوع ايلول 2009 حين اعتذر عن التكليف. لكنّ الاعتذارَ هذه المرة قد تكون كلفتُه أكبر بوجود عشرة نواب سنّة خارج عباءة تيار «المستقبل» يحاولون حجزَ مكان لهم حالياً على طاولة السلطة التنفيذية.
في الأمس أثارت «تغريدة» النائب جميل السيد سيلاً من التكهّنات في شأن خلفيتها، مع العلم أنّ مفاوضات تشكيل الحكومة لا تزال ضمن مهلة السماح المعقولة والمتوقعة.
قال السيد «الغالبية معنا. ربما عريضة موقّعة من 65 نائباً عبر المجلس الى رئيس الجمهورية ليسقط تكليف الحريري كأنه لم يكن. والبدلاء كثيرون!». أوّل الردود أتت من الوزير السابق أشرف ريفي الذي اعتبر أنها دعوة «تخالف «الطائف» وتضاف الى دعوات ماثلة لتحديد مهلة للرئيس المكلّف وهي مسّ بصلاحيات رئيس الحكومة».
ربما لو قدّر لبري أو «حزب الله» أن يردّا على السيد لتجاوزا تغريدة ريفي الداعمة لموقع رئاسة الحكومة بالقول «سعد الحريري خيارنا الأوحد في هذه المرحلة».
يتناقض هذا الواقع مع ما يروّج له من إنزعاج «حزب الله» من بدء إعادة تشكيل محور آذاري يمتدّ من «بيت الوسط» الى معراب مروراً بكليمنصو، حيث يشير مطّلعون الى أنّ جنبلاط ليس في وارد إعادة إحياء محاور، والسعودية أصلاً لم تطلب منه ذلك، في حين أنّ إلتقاءَ الحريري مع جعجع في هذه المرحلة هو التقاء ظرفي عنوانه رفض السياسة «الاحتكارية» في تأليف الحكومة من جانب بعبدا وباسيل.
مشكلة كاتب الـ «تويت» أنه حتى لو طال التأليف فإنّ عريضةً كهذه لن تجد أصلاً مَن يوقّعها، باستثناء المروّج لها. وفق المعلومات الحريري الذي لا يزال يتحرّك ضمن هامش واسع يتيح له إستهلاكَ مزيد من الوقت لتأمين ولادة حكومته ليس في وارد الاعتذار أيضاً، لاقتناعه أنّ أصحاب «العقد» محكومون بتقديم تنازلات الآن أو بعد حين.
واقع الحال، أنّ الحريري «المكبّل» بالشروط والمحاط بالرؤوس «الحامية» ينام على وسادة التأليف مرتاحاً على رغم كل ما يقال عن مهل ضاغطة و»ألغام» لإعاقة عملية تأليف الحكومة.
فأحد أهمّ عناوين التسوية الرئاسية هو بقاء الحريري رئيساً لحكومات العهد كافة بموافقة الثنائي الشيعي. الحريري بنسخة 2018 مختلف جذرياً عن الحريري 2010، والاشتباك السنّي ـ الشيعي صار من أرشيف العلاقة بين الخصمَين. لا المحكمة الدولية، ولا سوريا، ولا السعودية، ولا ملفّ النازحين، هي عناوين خلاف بين الطرفين. حتى كلام قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في شأن نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة قوبل بتحفّظ «حزب الله» وبموقف ديبلوماسي للرئيس المكلّف أسف فيه «أن يصدر هذا المنطق من دولة نودّ أن تربطنا بها علاقاتٌ من دولة الى أخرى».
أما في الإقليم فالتسوية في العراق بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدت تسوية غير مباشرة بين إيران والسعودية، مع ما يعني ذلك من ارتدادات على الداخل للبناني.
تقول أوساط وزارية مطّلعة «صحيح أنّ الحريري مطوّقٌ بالمطالب لكنه يلقى دعماً مباشراً من «حزب الله» والرئيس بري والنائب وليد جنبلاط و»القوات اللبنانية» وسليمان فرنجية»، لافتةً الى أنّ «الثنائي الشيعي» تحديداً، يلعب دورَ المسهّل للرئيس المكلّف، ويكفي عدم خوض هؤلاء معركة مباشرة مع «بيت الوسط» لتكريس حضور النائب طلال إرسلان في الحكومة أو توزير شخصية سنّية محسوبة على فريق 8 آذار، فيما النزاع الحقيقي الذي يخوضه يكمن في محاولة لجم شهيّة العهد لنيل حصة هي الأكبر في تاريخ حكومات ما بعد الطائف».
وتضيف الأوساط: «عملياً دخل «حزب الله» على خطِّ محاولة عدم إخراج «القوات» من الحكومة وعدم «كسر» جنبلاط،، أما الضغط لمصلحة حلفائه السنّة فلم يتعدّ حدود الدعوة للتكتل ضمن محور واحد يسهّل مطلبَ التوزير وهذا ما لم يحصل». بهذا المعنى مقوّماتُ المعركة التي خيضت لتوزير مثلاً فيصل كرامي في حكومة نجيب ميقاتي عام 2011 غير متوافرة اليوم.
وقد كان لافتاً في بيان كتلة «المستقبل» أمس، إعادة التذكير أنّ تأليف الحكومة من المسؤوليات الدستورية «المناطة حصراً» بالرئيس المكلف، بالتعاون والتنسيق مع رئيس الجمهورية، ومن جهة أخرى تحميل مسؤولية إعادة تحريك ملف التأليف لبعبدا بدعوة عون بالإسم الى «الخروج من دائرة الترقب والانتظار»، مع دعوة عامة الى «القوى المعنيّة بالتجاوب مع مساعي بلورة الصيغة النهائية للحكومة». الأخير ردّ، عبر بيان المكتب الإعلامي، بالتشديد على صلاحية رئبس الجمهورية في تشكيل الحكومة والتمسّك «بما درجت عليه الأعراف منذ الطائف».