Site icon IMLebanon

مأرب صامدة رغم «هدايا» واشنطن لإيران ومفردات «ضبط النفس» على هجوم أربيل بداية مربكة

 

لا نهائيات في العلاقة بين «حزب الله» وباسيل… والاحتقان يضيّق الخيارات والحلول

 

تؤكد أكثر من جهة أن قنوات الاتصال بين الإدارة الأميركية وإيران قد فتحت في إطار ترتيب العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه دونالد ترامب. أرسلت واشنطن رسالة حسن نية لطهران بإعلان عزمها رفع جماعة «أنصار الله» في اليمن عن قائمة الإرهاب وسط تأكيد على أوان الحل السلمي للحرب في اليمن والعودة إلى طاولة المفاوضات. تبدو المقاربة الأميركية وكأنها ارتكزت على فصل الملف اليمني عن ملفات سوريا والعراق ولبنان وغزة، حيث لإيران ساحات نفوذ، فيما محور إيران وعبر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يربط على الدوام بين وحدة الساحات وتلازمها وتضامنها، وهي الساحات التي تعمل طهران راهناً على استخدامها في لعبة الضغط وتحسين الأوراق والشروط.

قابلت إيران الرسالة الأميركية بتصعيد قوي على جبهة مأرب شنته جماعة الحوثي بهدف كسبها ورقة ثمينة قبل أن يكون عليها الذهاب مجدداً إلى التفاوض. اللصيقون بـ«محور إيران» يبدون ثقة بأن مأرب ستسقط وأنها مسألة وقت، لكن المعلومات على ضفة الشرعية تؤكد أن المحافظة الاستراتيجية في الشمال الغنية بالنفط لا تزال صامدة، وأن المعركة التي يتم خوضها لا تقف أبعادها عند حدود اليمن ما دامت نتائجها ستوظف في المواجهة الدائرة لوقف المد الفارسي في المنطقة.

أعطت واشنطن فرصة ثمينة لإيران. أوقفت الدعم اللوجستي للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، الذي يقف خلف الشرعية اليمنية، وغضت الطرف عن الحوثيين الذين كثفوا خلال الأسابيع الماضية هجماتهم من جبهات عدة للإطباق على مأرب واسقاطها، بما يمنحهم موقعا متقدماً في المفاوضات على حكومة الشرعية ومن ورائها المملكة.

شكلت خطوة رفع الحوثي عن قائمة المنظمات الإرهابية «هدية مجانية» من إدارة بايدن لطهران، وفق توصيف أحد القيادات اليمنية، الذي زار الولايات المتحدة من ضمن وفد يمني تلقى دعوة من الحزب الديموقراطي بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية. يقول القيادي الجنوبي الذي تولى سابقاً منصباً وزارياً في حكومة عبد الملك إننا حاولنا أن نقنع من التقيناهم من إدارة بايدن ومن أعضاء الكونغرس الديموقراطيين بعدم إزاحة جماعة «أنصار الله» عن لائحة المنظمات الارهابية من دون الحصول على تعهدات في المقابل، لكن القرار الأميركي بدا منتهياً في ما خص «الهدية – الإغراء».

والتصعيد الإيراني متواصل، من استهداف الحوثي مطار أبها في السعودية، إلى استهداف ميليشيات عراقية مغمورة قاعدة أميركية في مطار أربيل العراقي ما أودى بحياة أميركي متعاقد وجرح جنود، في وقت أظهرت مفردات ضبط النفس الأميركية على هجوم أربيل حجم ارباك الإدارة التي تخضع لاختبار بعد الآخر. هذا، فيما يتوقع ان ترفع طهران وأذرعها من مناخات التصعيد على أكثر من ساحة، وبينها الساحة اللبنانية. ومن هنا، ثمة استبعاد تام لدى العديد من القوى السياسية بإمكان حصول اختراقات ما دامت هذه الساحة خاضعة عملياً لسيطرة نفوذ «حزب الله»، الذي لن يفرّط بأوراق قوة إيران في لبنان، رغم محاولة نصر الله في إطلالته التلفزيونية الأخيرة نفي ارتباط تأليف الحكومة بالمفاوضات الإيرانية – الأميركية.

سعى نصر الله بكثير من الجهد إلى تدوير الزوايا في مسألة تأليف الحكومة الحالية. فرئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل يريدان تكرار تجربة حكومة حسان دياب في الحكومة السابقة من خلال دفع الرئيس المكلف سعد الحريري إلى الاعتذار، والإتيان بشخص آخر لمهمة تأليف الحكومة التي يفترض أن تكون حكومة العهد الأخيرة ويطمئن لها باسيل الذي يضغط في هذا المجال على «حزب الله»، من زاوية أنه سهّل وغطى مجيء الحريري.

بدا أمين عام «حزب الله» مربكاً في تحديد موقعه، فهو يخوض المعارك على توقيته وبما يخدم أجندته الإقليمية ويحمي المشروع الإيراني في المنطقة، وتوقيته راهناً لا يتطابق مع توقيت عون، ما يعني المزيد من الانتظار القاتل لباسيل. فالوقت ليس مضموناً أنه في صالح الرجل. وما يزيد من توتره أنه لم يسمع من «حارة حريك» ما يطمئنه، بل على العكس، كان ساكنها بالأمس واضحاً في أن أي محاولات لدق الاسفين بينه وبين شريكه في «الثنائية الشيعية» لن تفلح، وهو يعلم علم اليقين أن ارتدادات أي اشتباك في البيئة الشيعية ستكون مدمرة على طائفته وعلى موقعه في المعادلة الأكبر، ولا تزال تداعيات حرب إقليم التفاح ماثلة في الأذهان وفي النفوس.

الاحتقان العوني في السياسة يضيَّق الخيارات والحلول، وتفاقمه محاولات التأجيج الطائفي السني – الماروني، فيما تبدو حسابات الكرملين التي راهن عليها عون في مشروع حماية الأقليات بعيدة من أن تتحول نافذة انقاذ له من المبادرة الفرنسية بنسختها الراهنة، لا بل ان البيان الروسي جاء داعماً لها ولتكليف الحريري في «حكومة مهمة»، وأكثر من ذلك، فإن ثمة وعوداً روسية بأن تسعى دبلوماسية «القيصر» إلى اقناع طهران بتقديم تسهيلات في لبنان لتأليف حكومة في رسائل حسن نية يمكن استثمارها مع الأميركيين.

والواقع على جبهة بعبدا مفتوح على مزيد من التأزم مع الشعور بتلاشي كثير من أوراق القوة التي كان يتكئ اليها العهد سياسياً على حليفه في الداخل، الذي ذكّره أن تفاهم «مار مخايل» استفاد منه الطرفان، ولم تكن الإفادة لمصلحة «حزب الله» وحده، على الرغم من إدراك «الحزب» أنه ما بإمكانه قلب التوازنات السياسية في لبنان لولا تحالفه مع التيار العوني الذي محضه شرعية مسيحية كان يحتاجها في تلك الظروف حيث كان الاصطفاف حاداً في البلاد بين قوى 8 و14 آذار وكانت غالبية الشعب اللبناني في الضفة المقابلة للمحور السوري – الإيراني.

التحالف مع «التيار الوطني الحر» لا يزال ضرورة لـ«حزب الله»، لكن لا بد من أن يكون تحت سقف مسلماته ولا يهز موقعه داخلياً، ويرفد أجندة الاستراتيجية إيجاباً. والذهاب إلى رسم نهائيات في العلاقة بين الطرفين، يتطلب وضوحاً في نهائيات التسوية الكبرى الذي ستتفرع عنها التسويات الأخرى في المنطقة، ومن ضمنها التسوية في لبنان، وهي طريق لا تزال طويلة وعرضة لكثير من التحولات.!