محاولة مقصودة للتشويش على الزيارة واظهار قوة ونفوذ الحزب بمعزل عن التفاهم الروسي الأميركي بسوريا
«الهدف من وراء كل الأحداث واضح كل الوضوح وهو التشويش على زيارة الرئيس الحريري، لواشنطن وتسميم أجوائها ونتائجها مسبقاً»
حدثان بارزان شغلا الساحة السياسية في الأيام الماضية وما يزالان محور المواقف والسجالات السياسية بين مختلف الأطراف ومصدر قلق وارباك بالداخل عموماً، اولهما، الاستفاقة المفاجئة لحزب الله واتباعه بدعوة الحكومة اللبنانية لفتح حوار مع النظام الاسدي الدكتاتوري لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، والثاني حملة التحريض السياسي والإعلامي بتحضير الحزب لهجوم عسكري واسع في منطقة جرود عرسال ضد التنظيمات العسكرية السورية المتطرفة وغيرها مع التلويح بالدخول إلى بلدة عرسال نفسها.
بالنسبة لإثارة مسألة إعادة النازحين السوريين إلى سوريا في الوقت الحاضر، فالكل يعلم باستحالة تحقيق هذه العودة، لأن الحرب ما تزال مستمرة ولم تضع اوزارها بعد، ولأن اعادتهم قسراً قد تعرضهم للملاحقة والاضطهاد من النظام، كما حصل في محاولات سابقة من جهة، في حين ان نجاح حملة الاعادة تتطلب توافقاً داخلياً وهذا ليس متوافراً بعد وضمانة دولية تؤمن متطلبات العودة امنياً ومعيشياً واجتماعياً في الوقت نفسه.
اما مسألة التجييش السياسي والإعلامي وإطلاق موجة التهديدات المتلاحقة لحسم معركة ما يسمى بالجرود في عرسال وجوارها، ليست بعيدة عن حملة التحريض ضد الحكومة وضد النازحين السوريين على حدٍ سواء، لأن الجيش اللبناني هو الذي يتولى مهمات الحفاظ على الأمن ومواجهة التنظيمات الإرهابية وغيرها على مشارف بلدة عرسال وبداخلها منذ مُـدّة ليست بقصيرة وأصبحت له اليد الطولى في بسط سيطرته وملاحقة الارهابيين في أكثر من منطقة بدعم كامل من السلطة واكثرية اللبنانيين. وقد استطاع تحقيق إنجازات في لجم جماح تمدد هؤلاء الارهابيين إلى مناطق أخرى وإفشال العديد من مخططات التفجير التي تستهدف اللبنانيين في أماكن عديدة، مع العلم بأن مراكز ومواقع عديدة لهؤلاء المتطرفين، اما أصبحت محاصرة بشكل شبه كلي من الجيش أو مهجورة كلياً من المسلحين لاستحالة وجودهم ضمن دائرة الحصار المفروضة عليهم.
والسؤال المطروح هو لماذا تزامن تحريك ملف إعادة النازحين السوريين والتحضير للهجوم العسكري على جرود عرسال في هذا الظرف بالذات، وما هي الأهداف المتوخاة من ذلك؟
لا يخفى على أحد أن «حزب الله» الذي يتولي تحريك هذين الحدثين علناً وبشكل مباشر وعلى أعلى المستويات، يسعى من وراء ذلك بعث رسالتين ، سياسية وعسكرية، عشية زيارة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري المرتقبة إلى العاصمة الأميركية الأسبوع المقبل، الأولى تتمثل باستمرار تحكمه بالواقع السياسي الداخلي برغم وجود معارضين لسياسته على رأس الحكومة وبداخلها، والدليل على ذلك البلبلة السياسية التي أثارها بالانقسام الحاصل داخل مجلس الوزراء لدى طرحه مسألة إعادة النازحين إلى بلدهم، والثانية عسكرية ومفادها انه مما كات نتائج التفاهمات والتسويات الجارية بين الروس والأميركيين بخصوص الحرب الدائرة بسوريا ومهما بلغت الضغوطات لإخراج الحزب من الداخل السوري أو المناطق التي يطمح للتمركز فيها، أكان بجوار الجولان أو غيره، فإن الحزب يستطيع التعويض عن ذلك بالاحتفاظ بمساحة لا بأس فيها بالداخل اللبناني أو على الحدود اللبنانية – السورية، باعتبار أن اتخاذ الجنوب اللبناني كمكان للتمركز العلني الواسع كما كان يحصل قبل صدور القرار 1701، أمر محفوف بالمخاطر وقد يؤدي اليىتدهور الأوضاع في هذه المنطقة من جديد، ويعطي ذريعة لاعتداءات إسرائيلية على لبنان، وقد يكون هذا الخيار غير مرغوب فيه حالياً أو ليس متاحاً لاعتماده لاعتبارات وموانع محلية وإقليمية ودولية.
فالهدف من وراء تنظيم مثل هذه الأحداث واضح كل الوضوح، وهو التشويش على زيارة الرئيس الحريري لواشنطن وتسميم أجوائها ونتائجها مسبقاً، وابلاغ الداخل اللبناني والخارج الأميركي والدولي على حدٍ سواء الأخذ بعين الاعتبار الوجود السياسي والعسكري للحزب والتوجه باستمراره على النحو السائد حالياً بمعزل عن كل التفاهمات والصفقات المطروحة إقليمياً ودولياً. والاهم من كل ذلك، هو الأخذ بالحسبان هذا الواقع لدى مقاربة الوضع الداخلي اللبناني، إن كان بالنسبة لما يتردد عن عقوبات أميركية مالية جديدة ضد الحزب أو غير ذلك من إجراءات وتدابير إضافية، أو في مناقشة الأوضاع الداخلية اللبنانية والمساعدات المطلوبة لتقوية مؤسسات واجهزة الأمن والجيش وغيرها، بالرغم من ان مثل هذه التحركات الاستباقية على هذا النحو قد تؤثر سلباً على أية محاولات تبذل للتخفيف من وطأة أية عقوبات محتملة تحضر لها الإدارة الأميركية على الداخل اللبناني من جهة، أو تقليص أسباب وموانع تفهم الواقع اللبناني السائد حالياً وصرف النظر عن أية إجراءات حصارية جديدة يكثر الحديث عنها مؤخراً.
مهما يكن فإن تحريك ملف إعادة النازحين السوريين كما حصل وردود الفعل عليه من أكثر من جهة والبلبلة السياسية التي حصلت على خلفيته واخبار التحضيرات العسكرية للحزب للهجوم على جرود عرسال، اعطت صورة سلبية عن الواقع السياسي الداخلي في لبنان واسهمت بشكل أو بآخر في السعي قدر الإمكان لتسميم أجواء زيارة الرئيس الحريري إلى واشنطن قبل حصولها وإن كانت نتائجها ما تزال محدودة حتى الساعة.