فشل في استقطاب المزيد من المقاتلين
«حزب الله» يتقدم نحو «هزيمة صادقة» في القلمون؟
دأب «حزب الله» في الشهرين الماضيين على الترويج والتسويق لأهمية خوض معركة استباقية في القلمون، تكون كفيلة بتأمين نصر معنوي له في ظل تقهقرٍ متسارع في معاركه السورية الكبرى، حيث لاقى هزيمة نكراء في درعا وحلب، رغم إسناد الحرس الثوري الإيراني، وحضور قائد الحرس الثوري قاسم سليماني للإشراف على تلك المواجهات.
كانت اندفاعة الحزب مبنية على معطيات ما قبل «عاصفة الحزم» اليمنية – العربية، حيث كانت إيران وميليشياتها ومجموعات نظام الأسد تصول وتجول وتستكمل مشروع قضمها لسوريا دون رادع، ووفق تلك الظروف، فإن «حزب الله» وضع خطة للسيطرة على القلمون وجرود عرسال لتصفية وجود المعارضة السورية في هذه المنطقة.
إلا أن التحولات الكبرى التي أحدثتها «عاصفة الحزم» والقفزات النوعية في سياسة المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود قلبت الأوضاع رأساً على عقب، وجعلت «حزب الله» يعيد حساباته في سوريا والمناطق الحدودية بشكل جذري.
تداعيات «عاصفة الحزم» سورياً
أدت «عاصفة الحزم» وما تلاها من تطورات إلى استعادة المعارضة السورية المبادرة والزخم، وذلك من خلال مقدمات و مؤشرات عـدة، كان أهمها:
{ انبلاج تفاهم سعودي – تركي قطري، على تجاوز العوائق والخطوط الحمر الأميركية في الملف السوري، لجهة دعم المعارضة بالأسلحة النوعية، وتمكينها من تحقيق إنجازات ميدانية توازي حضورها، والتحجيم التدريجي لسلاح الجو التابع لنظام بشار الأسد، وتخطي التواطؤ الأميركي الذي أبقى لبشار قدراته الجوية المتفوقة، وسمح لإيران بتشكيل ميليشياتها على امتداد الأراضي السورية.
{ التوصل إلى تسوية تسمح باندماج جبهة النصرة في إطار تحالف واسع للمعارضة، يستفيد من قوتها الضاربة ويمكن الفصائل الأخرى من التحالف معها، وقد جاءت تلك الخطوة وفق التدرج الآتي:
ــ الإعلان عن نقاش واسع في صفوف قيادة جبهة النصرة باحتمال تخليها عن الانتماء والبيعة لتنظيم «القاعدة» وزعيمه الشيخ أيمن الظواهري، وقد انقطع هذا النقاش بعد الغارة التي استهدفت قيادة التنظيم في ادلب، وأدت إلى استشهاد عدد من قيادات «النصرة» الكبار.
ــ إعلان الشيخ أيمن الظواهري أنه يعفي التنظيمات المتفرعة من «القاعدة» من بيعتها له، لإفساح المجال أمامها لترتيب أوضاعها وفق حاجة كل منطقة وبلد.
ــ التوصل إلى صيغة «جيش الفتح» التي سمحت لجبهة النصرة، بالدخول في ائتلاف متنوع مقبول إقليمياً ودولياً، ويحمل أسساً مختلفة عن قواعد «القاعدة»، من دون أن تتخلى علناً عن مبايعتها لتنظيم «القاعدة»، الأمر الذي فتح المجال أمام الدعم الثلاثي السعودي – التركي والقطري لهذا التحالف.
ــ تراجع الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» عن الأولويات، والتركيز على مواجهة النظام الأسدي وميليشيات إيران، مما يسمح للتنظيم بأن يتقدم أكثر في صراعه ضد إيران على الساحتين العراقية والسورية، وخلق وقائع تتقاطع فيها مصالح الأطراف المعادية للمشروع الإيراني في المنطقة.
تطورات الموقف اللبناني
تراجعت وتيرة التسويق الإعلامي لدى «حزب الله» لمعركة القلمون، وراح الخطاب ينحدر من «الوعد الصادق» بالانتصار، إلى تثبيت المواقع وعدم خسارتها، وحماية الحدود من اجتياحٍ يطاول القرى والبلدات اللبنانية، يؤدي إلى تهجير سكانها، وسط تنامي هواجس كبرى من نوع تغيير الأوضاع الجغرافية والاستراتيجية.
ومن أجل إبقاء حجة للمواجهة، تم نقل النقاش إلى «ضرورة تحرير جرود عرسال» التي يسيطر المعارضون السوريون على 600 كلم2 منها، حسب تصريح للرئيس نبيه بري، الذي قال إن العسكريين المخطوفين، محتجزون على أراضٍ لبنانية، وهو موقف يشبه إشارة الانطلاق لتوريط الدولة والجيش في هذا الصراع.
طبعاً الغاية من تحديد الهدف باستعادة جرود عرسال، هو توريط الجيش اللبناني في معركة عنوانها الجرود وغايتها توريط المؤسسة العسكرية في حرب مفتوحة مع المعارضة السورية.
وبالطبع، فقد نسي المروجون لهذا المسار، أن «حزب الله» باحتلاله القصير وأجزاء من القلمون، أجبر سكان هذه المناطق على النزوح إلى عرسال وجرودها، ودفعهم إلى تشكيل مقاومة لاستعادة بيوتهم وبلداتهم وقراهم وحياتهم، فمن غير الوارد أن يستسلموا لعدوان الحزب ويرضوا بالبقاء مشردين وأرضهم على مرمى حجر منهم.
لذلك، فإن المعادلة الذهبية في هذا المقام هي: انسحاب «حزب الله» من سوريا مقابل سلامة لبنان وحدوده وجيشه وأهله.
يتقدم «حزب الله» نحو هزيمة محتومة، في القلمون، وفي سوريا عموماً، وقد انكشفت قدرته العسكرية، بعد أن فشل في تزخيم الحشد البشري لمقاتليه، حيث لم يستطع القفز فوق حاجز الأربعة آلاف مقاتل، بينهم بضع مئات من الفتيان والأطفال، الذين قام أهلهم باستردادهم من الجبهة، وهذا الرقم غير كاف لمواجهة حشود المعارضة السورية التي بات عديد قواتها يتجاوز السبعة آلاف، مزودين بأسلحة نوعية، من آليات وصواريخ وتجهيزات لوجستية، ومتسلحين بعقيدة قتالية، تتفوّق على عقيدة الحزب (ولاية الفقيه) ومنظومتها، وقد تجلى هذا التفوق على الأرض السورية والعراقية، حيث العمليات الانغماسية، حوّلت الأحزاب الإيرانية إلى نمور ورقية بائسة.
إنه صدام عقائدي هائل، لم يعد فيه لإيران وأحزابها اليد العليا، وهزيمتها بدأت تترسخ من اليمن إلى سوريا وما بينهما..
لقد استفزّ «حزب الله» اللبنانيين باستنفاره واستعراضه العلني لآلياته المتجهة إلى القلمون، على أعين الدولة وتحت ستار قواها الأمنية.
وفي ضوء التطورات المتوقعة، فإن لبنان أمام استحقاق كبير، يكمن في قدرته على إقفال الحدود ومنع تدفـق المقاتلين إلى الداخل السوري، وإقدام الحكومة على إعلان موقف حاسم بتجريم كل تدخل لبناني في الأراضي السورية، وتحييد الجيش عن الصراع، والتوصل إلى هدنة تضمن وقف الاشتباكات مع قوات المعارضة السورية، وتنهي محنة العسكريين المحتجزين لديها، وتقي لبنان شرور العاصفة الحدودية المنتظرة.
فهل يكون موقف الرئيس سعد الحريري الرافض لدعوات القتال وتنظيم المعارك في القلمون، وتحميله المسؤولية لـ«حزب الله» منفردا تبعات التورط في الحرب خدمة لأجندة بشار الأسد العسكرية، مقدمة لانتفاضة لبنانية لا مناص لحماية لبنان؟
(*) رئيس هيئة السكينة الإسلامية.