Site icon IMLebanon

ما يجب انتزاعه من «الحزب»!

 

 

إنّ التعامل مع أيّ مواجهة سياسية يتمّ على قاعدة فنّ الممكن، أي ما هو ممكن تحقيقه اليوم بانتظار الظروف التي تسمح بتحقيق المزيد وصولاً إلى الهدف النهائي، لأنه من الصعب أو الخطأ التعامل مع المواجهة انطلاقاً من مبدأ إمّا كل شيء أو لا شيء.

من المسلّم به انّ نزع سلاح «حزب الله» غير ممكن اليوم، ومن المسلّم به أيضاً انه من دون نزع هذا السلاح سيبقى لبنان مأزوماً وفي حالة حرب باردة يمكن ان تتحوّل إلى حرب ساخنة في اي لحظة من اللحظات، والمواجهة المستمرة منذ العام 2005 لا بدّ من ان تنتهي بغالب أو مغلوب على أساس إمّا نزع السلاح أو ان يحسم السلاح الموقف على غرار حقبة الاحتلال السوري للبنان، أو الوصول إلى فك ارتباط جغرافي بين الفريقين من خلال نظام سياسي جديد.

 

ولكنّ التعويل على الهدف النهائي لا يعفي المعنيين من واجب تحقيق أهداف مرحلية في سياق سياسة صمود تقطع الطريق على الأهداف المرحلية للفريق الآخر الذي يتحيّن الفرصة لتسديد ضربته القاضية، فيما على القوى المناهضة للفريق المسلّح ان تستفيد من ثلاثة عوامل أساسية:

 

العامل الأول، عدم قدرة «حزب الله» على استنساخ تجربة الاحتلال السوري بسبب كونه جزءا من طائفة داخلية ولا يبدِّل بشيء دوره الإقليمي، إذ على رغم جيشه وترسانته لم يفلح بحسم الموقف لمصلحته، وبقي التنازع على السلطة بسبب عجزه عن السيطرة عليها بشكل كامل.

 

العامل الثاني، وجود معارضة شرسة لمشروعه داخل البيئة المسيحية والسنية والدرزية، فضلاً عن شريحة واسعة من الرأي العام العريض العابر للطوائف الذي عبّر عن رأيه الرافض لمشروع الحزب في الانتخابات النيابية الأخيرة.

 

العامل الثالث، غياب اي غطاء خارجي لمشروع «حزب الله» خلافاً للنظام السوري الذي كان يحظى بهذا الغطاء، ما يعني انه ينشط في بيئة داخلية وخارجية رافضة لمشروعه.

 

ومعلوم انه على رغم إمساك النظام السوري بكل مفاصل البلد رئاسيا ووزاريا ونيابيا وأمنيا وقضائيا وإداريا، وعلى رغم وجود جيشه في لبنان، إلا انه كان يلجأ إلى المؤسسات اللبنانية الخاضعة لنفوذه من أجل تصفية حساباته وتحقيق أهدافه، والأمر نفسه ينسحب على «حزب الله» الذي على رغم ترسانته وجيشه يضع مؤسسات الدولة في مواجهة أخصامه تجنّباً لانخراط مباشر في مواجهة يفضِّل ان يتجنبها سوى في حالة واحدة وهي اضطراره على هذه المواجهة على غرار استخدام سلاحه في أيار 2008.

 

هذا في العسكر والأمن، وأما في السياسة فيستفيد من تحالفه مع «التيار الوطني الحر» من أجل تجنُّب استخدام الفيتو الشيعي الذي يلجأ إليه اضطرارياً أيضاً عندما لا يتوفّر له ثلث التيار المعطِّل، كما يستفيد من الأخير وغيره في محاولة للوصول إلى أكثرية نيابية تضمن له نفوذه داخل المواقع الدستورية.

 

وإن دَلّ لجوء «حزب الله» إلى التعطيل إن من خلال استخدام الفيتو المذهبي أو الثلث المعطل على شيء، فإنه يدلّ على عدم قدرته على فرض شروطه وتحقيق أهدافه، الأمر الذي لم يكن يحصل في زمن الاحتلال السوري، ما يعني ان التوازن داخل المؤسسات قائم وموجود، والمؤشر الأبرز والأخير على عجزه يكمن في عدم قدرته على «قبع» المحقِّق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.

 

وهذا الجانب المتمثِّل بالصراع بين مشروعين داخل المؤسسات، والذي لم يكن قائما بين عامي 1990 و2005، يندرج في سياق الممكن تحقيقه في هذه المرحلة ضمن ثلاثة أهداف:

 

الهدف الأول منع «حزب الله» من حسم المواجهة السلطوية لمصلحته قطعاً للطريق أمام استخدامه مؤسسات الدولة كواجهة وغطاء لمشروعه وأداة لتصفية حساباته السياسية.

 

الهدف الثاني السعي إلى نزع ورقة السلطة من يده او الحدّ من وجوده داخلها على مستوى الرئاسات والحكومة والمؤسسات، وبمعزل عن عدم قدرة المعارضة النيابية على جمع صفوفها، إلا انّ الانتخابات أفقدت الحزب الأكثرية النيابية التي كانت بحوزته. ومن المهم التذكير بأنّ وضعه بعد انتفاضة الاستقلال لم يكن مريحاً قبل ان يعود ويتحالف مع «التيار الحر» ويلجأ إلى سلاحه لوقف مفاعيل هذه الانتفاضة.

 

الهدف الثالث خلق مناخ سياسي صراعي وضاغط يمنع على اي قاض أو أمني أو موظف غير شيعي من ان يكون أداة بيد «حزب الله»، وذلك من أجل جعل خياراته محدودة وتتراوح بين: إمّا التعطيل أو استخدام سلاحه أو دفعه إلى مواجهة من مربّعه الشيعي وليس بواسطة الحلفاء من طوائف أخرى.

 

فالهدف الممكن تحقيقه في هذه المرحلة يكمن في منع «حزب الله» من استخدام الدولة ومؤسساتها لتصفية حساباته السياسية، وذلك من خلال الإمساك بكل المواقع الوزارية والعسكرية والأمنية والقضائية غير الشيعية لأنه ما زال متعذرا المساس بالمواقع الشيعية التابعة له، ولكن حتى لو لجأ إلى هذه المواقع الشيعية داخل الدولة فستتحوّل المواجهة معه إلى مواجهة مباشرة بسبب شيعيتها وكونها محسوبة عليه، فضلاً عن ان ورقة قوته ليست بسلاحه، إنما بورقة الدولة التي يتلطى خلفها على غرار ما كان يفعله النظام السوري لتحقيق مآربه السياسية.

 

فلا يستطيع «حزب الله» ان يحكم لبنان المتعدِّد طائفيا والمتنوِّع مذهبيا بواسطة جيشه وسلاحه، لأنه لا يمكنه، بكل بساطة، بتكوينه الشيعي ان يقيم حواجزه ويُنشئ مراكزه في المناطق المسيحية والسنية والدرزية، وهو بحاجة لمؤسسات الدولة من أجل أن تتولى المهمة عنه من خلال التكفُّل بأخصامه وتنفيذ أجندته السياسية، بمعنى ان هذه المؤسسات او البعض منها هي الأداة التي يستخدمها الحزب تحقيقاً لاستراتيجيته.

 

والتطور الذي نشأ بعد خروج الجيش السوري من لبنان كان في إمساك «حزب الله» بجزء من السلطة وليس كل السلطة على غرار ما كان عليه الوضع إبّان الوجود السوري، وأكبر خطأ بل خطيئة تُرتكب تكمن في ترك السلطة تحت اي عنوان للحزب كونها الوسيلة الأسهل للقضاء على أخصامه بواسطة هذه السلطة، فيما الإمكانية واسعة ومُتاحة لمنعه من استخدام هذه الوسيلة، لا بل يجب ان يكون ذلك هدفا استراتيجيا ساميا في المرحلة المقبلة.

 

فكيف يمكن لحزب غير شرعي ان يستخدم المؤسسات الشرعية ضد أخصامه السياسيين؟ فإمّا منعه وطنيا وسياسيا وطائفيا ومذهبيا من توسُّل المواقع الرسمية تحقيقاً لغاياته السياسية، وإمّا شلّ هذه المؤسسات بشكل نهائي، إذ ما قيمة هذه المؤسسات والمواقع غير القادرة على نزع السلاح غير الشرعي وإقفال المعابر غير الشرعية وضبط المعابر الشرعية ومنع دخول السلاح لغير الدولة ومحاكمة كل من يخرج للقتال خارج الحدود وتوقيف المُدانين باغتيال الشهيد رفيق الحريري واللائحة تطول، فيما تُستخدم للاقتصاص من القوى والشخصيات التي تدعم الدولة ومؤسساتها الشرعية؟

 

وما حصل مع المطران موسى الحاج من خلال القاضي فادي عقيقي يشكّل النموذج الاستخدامي الساطع الذي يجب منعه على قاعدة إمّا لا استثناءات لحكم الدولة بالعدل والقانون، وإمّا لا دولة على أحد، ولم يعد جائزاً ان تبقى الدولة أداة بيد الجهة الخارجة عنها وتصادر قرارها.