Site icon IMLebanon

عن تعفف «حزب الله» عن «ضمانات» مكتوبة في الدستور!

 

 

كان مجلس الوزراء قد أقرّ بالإجماع النقاط السبع لانتشال لبنان من ويلات حرب تموز (يوليو) عام 2006، بينها مطالبة «مجلس الأمن بوضع منطقة مزارع شبعا تحت ولاية الأمم المتحدة»، ودعوة المنظمة الدولية إلى «تعزيز قوتها العاملة في الجنوب اللبناني وتوسيع مهامها ومدى عملياتها»، بعد «إلزام الجيش الإسرائيلي الانسحاب إلى ما وراء الخط الأزرق»… لكن زائر بيروت آنذاك مانوشهر متكي، وزير الخارجية الإيراني، أخذ موقفاً من فوق السلطة اللبنانية وأعلن الاكتفاء بتأييد بند وقف النار، رافضاً بقية النقاط، وبالأخص موضوع مزارع شبعا، وكشف عن أن القيادة الإيرانية ستبحث الوضع!

 

كان متوتراً اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، عندما بدا أنه يقول «الأمر لي»، وهو ينقل حزمة مطالب – إملاءات، فمُنع من التصريح في السراي فعقد مؤتمراً صحافياً في السفارة الإيرانية… وقد وُصِفت تلك الزيارة بأنها إيذان بدخول لبنان مرحلة «مانوشهر – خدام» تذكيراً بالمواقف التي كان يطلقها من بيروت المسؤول السوري الممسك بـ«الملف اللبناني»!

 

بعد عام كامل على حرب تموز، (يوم 14 يوليو/تموز 2007)، انعقد اجتماع «سان كلو» برعاية وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير، وجمع ممثلين عن «حزب الله» و«تيار المستقبل». أبرز ما شهده ذلك الاجتماع إبلاغ وفد «المستقبل» عن اعتزام «الحزب» الحلول مكان الوجود السوري في إدارة الوضع اللبناني! لم تُواجه تلك الدعوة الفجة كما يجب، رغم وضوح مقاصدها: بعد إخراج الوجود العسكري السوري، فرض وجود من نوعٍ آخر: ثقافي واقتصادي وديموغرافي… بعد احتكار قرار الحرب والسلم!

 

وتتالت حلقات المخطط المفضوح، وتتالى قضم السلطة. ليتأكد على الدوام أن بين أبرز عوامل قوة «حزب الله» أنه يواجه معارضة استعراضية، ترفضه في خطابٍ موجهٍ لقواعدها، وترتاح للتساكن معه في حكومات وحدة وطنية تعامت عن مسؤوليتها في حماية السيادة ومصالح البلد وحقوق المواطنين. وستبقى في الذاكرة جريمة «احتلال» بيروت يوم 7 مايو (أيار) 2008 وتداعياتها، يوم تم قهر أهلها تحت أنظار القوى العسكرية والأمنية، فاكتفى قائد الجيش يومها ميشال سليمان بتوجيه رسالة داخلية للضباط قالت إنه يشعر بوجعهم…، لكن هذا الشعور لم يمنع زهق أرواح أبرياء، وإهانة عاصمة أثبتت أنها عصية على المحتل الإسرائيلي ومنها انطلقت شرارة تحرير لبنان!

 

تجلّت تداعيات اجتياح بيروت باجتماع الدوحة، الذي أريد منه الانقلاب على الطائف والدستور، فأعطى «حزب الله» الثلث المعطل، أي الفيتو على كل السلطة، وأوصل سليمان إلى الرئاسة في تجاوزٍ للدستور ومندرجاته، وشكل منصة إسقاط الأكثرية النيابية مع تشكيل حكومة «القمصان السود» والإتيان بنجيب ميقاتي لرئاستها. آذاك بدأ زمن انفراد «حزب الله» بتشكيل الحكومات، وبعدها دخلت شحنة الموت، «نترات الأمونيوم» إلى مرفأ بيروت، وتظهرت عمليات تبييض الأموال فسقط البنك «اللبناني الكندي»، وتوسع «الاقتصاد الموازي» و«القرض الحسن»، وقد كشف ميقاتي مؤخراً في مشروع «التعافي» الذي قدمته حكومته إلى البرلمان، عن أن السطو على الودائع بدأ منذ عام 2011!

 

وبظل فائض القوة والخلل الوطني بموازين القوى، وتعاظم الأدوار الحربية الموكلة لـ«حزب الله» في الإقليم حصلت التسوية المشينة في عام 2016، التي وصفها بعض أطرافها بأنها أنجبت رئاسة صناعة لبنانية! فكانت الحصيلة وضع كل شيء بين يدي «الحزب» وما ومن يمثل، فبدأ تسريع المشروع الذي بشّروا به في «سان كلو»، وهو اقتلاع لبنان وإلحاقه. بعدها كانت الذروة في التجرؤ على «ثورة 17 تشرين» واتهام ملايين اللبنانيين بأنهم صنائع سفارات لتبرير حملة القمع التي استهدفتهم!

 

واستمر «حزب الله» يشكل منفرداً حكومات تأديب اللبنانيين، وتدفيعهم أثمان الانهيار الذي تسبب به تحالف مافيوي ميليشياوي استند إلى نظام محاصصة طائفي غنائمي حمى أطرافه بـ«الحصانات» وقانون «الإفلات من العقاب»! وعلى الدوام كانت سياسة الدويلة الدفع إلى تلاشي المؤسسات واستحكام الشغور وتمدد الفراغ؛ لأن المشروع البديل من اقتلاع وإلحاق وتغيير هوية يتقدم ويترسخ. لكن انتخابات مايو 2022 قرعت الإنذار عندما تسبب التصويت العقابي بحرمان «حزب الله» أكثريته، فتبدل جدول الأعمال ليطرح النائب محمد رعد على لودريان مطلب الضمانات المكتوبة! أي تضمين الدستور البدع التي فُرضت بقوة الأمر الواقع، وإن لم يكن لتنفيذها اليوم فالاستثمار بالفراغ والخراب كفيل بفرضها!

 

كل التعفف الذي حمله خطاب نصر الله من أنهم لا يريدون تغيير الطائف ولا إحلال المثالثة مكان المناصفة، ذر للرماد في العيون، يتبدد فور التوقف عند ما كان عليه الوضع قبل حرب تموز واليوم! ويتبدد أكثر عندما يُعلن أن الرئاسة تكون لفرنجية، مكمل المنحى الذي بدأه إميل لحود وتوجه ميشال عون أو لا تكون، وها هي الخيم الصيفية في مزارع شبعا (لنتذكر مانوشهر) تفعل فعلها في ابتزاز الداخل.

 

الأكيد أن تركيبة «الثنائي المذهبي» التي يقودها «حزب الله» ماضية في إدارة البلد عبر نظام المحاصصة، مطمئنة لنتائج إشغال اللبنانيين ببدنهم بحثاً عن قوتهم اليومي، وأنه لا ثورة على الذين نهبوا وارتهنوا واستتبعوا ومنعوا العدالة، ويصادرون اليوم «التدقيق الجنائي» بمصرف لبنان منعاً لأي محاسبة… فإن مخطط السير في جعل لبنان تابعاً لا يتوقف على النص، فيُركن إلى حين مشروع التعديل إلى جانب الدستور المركون في الزاوية!

 

مرتاح «حزب الله» إلى الحالة الاستعراضية التي تميز أداء «معارضة» النظام. يدرك أنه في العمق مثل هذه المعارضة آيلة للتفكك والتراجع نظراً لغياب تأثرها بالناس وتأثيرهم فيها، فتنعدم قدرة الاستفادة من دور المواطنين كلاعبين سياسيين، وحدها استعادتهم تنهي الخلل الوطني بموازين القوى. «حزب الله» مسؤول عن النكبة اللبنانية ومعارضته الاستعراضية تعمّق النكبة؛ لأنها شريكة في سياسات وممارسات ومحاصصات أذلت الناس وتعامت عن اختطاف «حزب الله» للدولة بالسلاح!