Site icon IMLebanon

ميزان القوى تبدّل… وجذرياً

 

تذاكي “حزب الله” لن ينفع

 

 

يحاول “حزب الله” أن يتذاكى على إسرائيل والولايات المتحدة من خلال التحايل على قرار وقف إطلاق النار الذي وافق على نصه بتفاصيله وفواصله وإلا لما توقفت الحرب، وما زال يتعامل مع حرب تشرين وكأنها نسخة مكرّرة عن حرب تموز، فيما الحرب الأخيرة تختلف جذرياً عن الحرب التي سبقتها على مستويين أقله: آلية دولية لتطبيق القرار الذي ينص على حصرية السلاح بيد الدولة بالقوة، وقرار دولي بإخراج النفوذ العسكري الإيراني من لبنان.

 

 

وهذا التذاكي لن ينفع، لأن ما كتب قد كتب، وما تقرّر قد تقرّر، لا بل هذا التذاكي نفسه هو الذي جرّ “حزب الله” إلى الهلاك والانتحار، إن من خلال إعلانه الحرب من دون دراسة موازين القوى وانعكاساتها عليه، أو من خلال رفضه المبادرات لوقفها، وسيجرّه إلى مزيد من المنزلقات طالما انه لم يقرأ بعد طبيعة التوجُّه الإسرائيلي واستطرادا الأميركي. وبالتالي، إن  عدم تخلي “الحزب” عن الخيار العسكري يعني مواصلة الانتحار حتى الرمق الأخير.

 

 

ولا يقتصر تذاكي “حزب الله” على إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما طبعاً، إنما يحاول التذاكي على اللبنانيين عموماً والقوى السياسية والكتل النيابية خصوصاً، من خلال السعي إلى إنتاج سلطة سياسية تُبقي القديم على قدمه، وكأن الميزان العسكري والدولي ليس في الحسبان، وأن ما حصل ويحصل على الأرض مختلف عن السلطة السياسية، ناهيك بإنكاره أساساً أنه خرج من الحرب مكسوراً وأن كسوره غير قابلة للعلاج، ولا يكفي أن يكون حيّاً، لأن جناحه العسكري قد كُسر، وهناك إرادة دولية بإبقائه مكسوراً.

 

وتأسيساً على تجارب سابقة، فإن المشروع السيادي لم يسقط مع سقوط الشيخ بشير الجميل، ولا مع سقوط اتفاق الطائف بقبضة الرئيس حافظ الأسد، ولا مع سقوط انتفاضة الاستقلال بسلاح “حزب الله”، إنما سقط المشروع السيادي بسبب اصطدامه بالمشروع الإقليمي الممانع. ومع سقوط المشروع السيادي، حكم المشروع الممانع وتحكّم بمفاصل السلطة، وتحوّل أصحاب المشروع السيادي إلى معارضات من المعتقل أو الخارج أو داخل السلطة بعد العام 2005 على قاعدة تعايش قسري، ولكن القرار الاستراتيجي كان دائماً بيد الممانعة.

 

 

وما لا يتنبّه له “حزب الله” اليوم، أو أنه يدركه ويحاول التذاكي، أن مشروعه الإقليمي الممانع اصطدم هذه المرة بحائط دولي جدّي، ولن يعود بإمكانه هذه المرة لا أن يستخدم سلاحه، ولا أن يحتفظ بالقرار الاستراتيجي للدولة، وبقدر ما يصرّ عسكرياً على الحفاظ على دوره العسكري، بقدر ما ستكون الكلفة العسكرية عليه باهظة، وبقدر ما يصرّ على الحفاظ على دوره السياسي الخاطف للدولة، بقدر ما ستكون الكلفة السياسية عليه باهظة.

 

 

وإذا كان ميزان القوى الاستراتيجي العسكري قد تبدّل جذرياً، فإن ميزان القوى السياسي قد تبدّل جذرياً بدوره، ويخطئ “حزب الله” الظنّ إذا اعتقد أن ما تبدّل في الميدان العسكري لن ينسحب على البرلمان والميدان السياسي، وأن باستطاعته الحفاظ على المعادلة التي حكمت لبنان بعد خروج الجيش السوري من لبنان.

 

 

إن التعايش بين مشروعين في لبنان، مشروع ثورة إقليمية مسلحة ومشروع دولة فعلية، انتهى بقرار دولي كبير، وأمام “الحزب” خياران لا ثالث لهما: إما البقاء خارج السلطة الجديدة التي ستطبِّق للمرة الأولى منذ العام 1990 الدستور والقرارات الدولية ونص قرار وقف إطلاق النار، وإما أن يحتفظ بأسهمه في السلطة الجديدة شرط تخليه عن دوره العسكري ومشروعه الإقليمي، فهل “الحزب” في هذا الوارد اليوم؟

 

 

بالتأكيد كلًا، ولكن الأكيد أنه لن تنشأ سلطة على القواعد نفسها التي حكمت الحياة السياسية بين 14 آذار 2005 و27 تشرين الثاني 2024، فالتعايش بين نقيضين انتهى دولياً مثلما انتهى مشروع السيطرة السورية منذ العام 1990 حتى العام 2005، وعلى “حزب الله” أن يدرك أن “الدني دولاب”، وقد “برم دولابه” هذه المرة 180 درجة على غرار “دولاب” المشروع السيادي منذ نصف قرن وأكثر، وكما أن عقارب الساعة لم تعد الاحتلال السوري، فإن عقارب الساعة لن تعيد مشروعه العسكري ولا مشروعه الإقليمي السياسي إلى رأس الدولة وكنفها.