قد يحتاج المراقب إلى مُجلدات ليُفصّل أو يؤرخ المُمارسات التي ارتكبتها «سرايا المقاومة»، بحق اللبنانيين جميعهم وليس فئة دون أخرى. فهذه «السرايا» التي أصبحت تُعرف في لبنان باسم «سرايا الفتنة والقتل«، لم تترك موبقة إلا وارتكبتها على مساحة الوطن، فكانت أولى مفاعيلها في السابع من أيّار العام 2008، يوم اجتاحت عصاباتها المناطق اللبنانية وتحديداً العاصمة بيروت التي كان لها نصيب وافر من رصاصها وقذائفها، بعد أن صبّت حمم حقدها ونيرانها على الآمنين فقتلت من قتلت منهم، وجرحت العديد أيضاً، فيما وفّرت ما تبقّى من طاقة لديها، للسرقة والنهب وقطع أرزاق الناس.
عادة ما تسعى شعوب الدول التي تتعرض بلادها للإحتلال أو التي تخوض حروباً طويلة مع دول عدوة، إلى دعم المؤسسات الشرعية في بلدها وعلى رأسها مؤسسة الجيش، فتعمد عندها إلى تأليف وحدات دعم مُقاتلة نواتها شباب وربما كبار السن، لتشكيل حالة إسناد أو قوّة إضافية تتطلبها الضرورات. وغالباً ما يُطلق على هذه الحركات التلقائية المولودة من رحم القهر والحروب القذرة، إما «سرايا» أو «مقاومة»، أو أي أسم آخر، شرط أن لا تخرج عن الدور المرسوم لها، بحيث لا تتحوّل إلى قوّة رديفة أو بديلة عن جيش البلاد على غرار ما حصل في لبنان بحيث تحوّل «حزب الله» إلى قوى امر واقع منذ نشأته، وهو اليوم يزيد من التشرذم والإنقسام الحاصل في لبنان، عن طريق فرضه قوى أمر واقع جديدة، وهذه المرّة تحت إسم «سرايا المقاومة».
حتّى اليوم، لم تخض سرايا «حزب الله» أي حرب مع عدو خارجي، ولم تقم بعمل واحد يُعطيها شرعية البقاء حتّى اليوم خصوصاً وأن المليشيات التي تُشبهها بأفعالها وأفكارها وتكوينها، قد مرّ زمن طويل على نعيها، ولم يتبقّ منها سوى «الحشد الشعبي» في العراق الذي يُمارس الأفعال نفسها بحق العراقيين. ومع هذا يحاول «حزب الله» أن يوهم الناس، بأن سراياه هذه، وجدت لحمايتهم وبأنها حاجة فعلية لهم ولبلدهم. هذا ما توصّل اليه بالأمس نائب الحزب نوّاف الموسوي، الذي توهّم وقال: إن الحملات التي يتعرض لها فصيل أساسي من فصائل المقاومة في لبنان، ألا وهو سرايا المقاومة، تستهدف النيل من صورتها وطبيعتها وتكوينها وأهدافها وغاياتها«. لكن الموسوي لم يشر إلى واقعة واحدة خاضها هذا «الفصيل المقاوم» ضد الاحتلال الإسرائيلي، والذي أُنشئ بهدف واحد، هو، استكمال طريق الفتنة التي ما زال يسلكها «حزب الله» الذي يُحاول بدوره إبعاد كل الشبهات عنه، من خلال إعادة توصيف نفسه على أنه حزب «مُقاوم».
حقيقة هذه السرايا والأسباب التي أدت إلى نشوئها، كان قد مرّ وقت غير طويل، على قيام اسرائيل بعملية «عناقيد الغضب» على لبنان في شهر نيسان العام 1996، يومها اتخذت قيادة «حزب الله» قراراً يقضي بتشكيل فصيل «مقاوم« نواته شُبّان لبنانيون من مختلف الطوائف بعدما وجد الحزب استحالة تطويعهم ضمن مقاومته لأسباب مذهبية بحتة، فكان نشوء «سرايا المقاومة الوطنية لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي» التي إنكشف لاحقاً دورها الحقيقي بعدما فضحت ممارساتها الأسباب التي من أجلها قامت. والراسخون في علم هذه «السرايا» يعلمون جيداً انه ومنذ العام 2000 لم يعد ينضوي تحت لوائها أي من العناصر الذين يحملون أفكاراً مُقاومة والذين عملوا لفترة تحت شعارها قبل أن يرحلوا عنها بعدما اكتشفوا أنهم ليسوا سوى مجرد أرقام على هامش العمل العسكري، ويخضعون بإستمرار لعمليات فحص دم ضمن منظومة «ولاية الفقيه» التي تبعد مسافة «ولايات» عن الأفكار والمعتقدات التي كانوا يحملونها داخل أحزابهم الوطنية والعلمانية والإشتراكية.
من يُراجع تاريخ «سرايا حزب الله«، لن يرى بقعة بيضاء في تاريخها ولا محطة مُشرّفة يُمكن الركون اليها. السلب والتشبيح والقتل، هم من أبرز سمات عناصرها، بالإضافة إلى خبرتها في تعميق الفتن المذهبية ونشر الرعب في قلوب الآمنين وقتل الأبرياء على الطرقات وخصوصاً محاولات الاغتيال التي يقفون وراءها قبل أن يذوب بعضهم كالملح داخل مربعات «حزب الله»، أو يُقتل في سوريا. واليوم يُحاول «حزب الله» وإعلامه، استعادة دور الفتنة عن طريق «السرايا» من خلال عناوين متعددة، آخرها «حماة الديار». ومنذ ايام حاول اعلام الحزب تعويم اسم «سرايا التشبيح» عندما راح احد المسؤولين فيها يتحدث عن «التدريب الاحترافي الذي يتلقاه عناصرها، وعن الامكانات والخبرات التي يمتلكونها«. وقال «نحن تشكيل قائم من تشكيلات المقاومة، فيه كل الاختصاصات. ونحن في السرايا، أكثر من خمسين الفاً«.
ثمة رائحة تهديدات جديدة تنبعث من وراء اكمة ما ينطق به «حزب الله» واعلامه. وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق علّق على اعلام الحزب بالقول «إن ما يسمّونها سرايا المقاومة، وكنّا نسميها سرايا الفتنة، باتت سرايا احتلال لم ولن نقبل بها تحت أيّ ظرف من الظروف»، مؤكداً انه «مهما كان نوع هذا السلاح، طالما أنّه مطلوب توقيعنا، فلن نوقّع، نحن كأهل وكمجموعة وكمسلمين، بل سنقاوم هذا الاحتلال بكلّ الطرق والوسائل السلمية والسياسية«.
وعن عدد عناصر هذه السرايا الذي اكد المسؤول فيها انه يصل إلى «أكثر من خمسين الفاً«، لفت المشنوق إلى أن «آخر استعراضات القوّة ما قرأته وهو أنّ لسرايا المقاومة، وانا اسميها سرايا الفتنة، جيش من 50 ألفا وأنّ لديها مهمات داخلية. هنا أسأل: في وجه من يقف الخمسون ألفاً هؤلاء؟ وما هي مهماتهم الداخلية؟. أما النائب الموسوي فيرى «أننا نعرف أبعاد هذه الحملات على السرايا، وبالتالي لسنا في وارد السجال مع أحد، ونحن نعرف أن إطلاق النار السياسي الإعلامي على سرايا المقاومة يحاول استدراجنا إلى سجال يخفي التناقضات داخل الفريق الآخر الذي ينقسم حيال الموقف من انتخاب رئيس للجمهورية«. والسؤال هنا برسم نائب «الدفاع عن السرايا»: «هل ثمة فريق يُجيد إطلاق الرصاص المتنوع، غير فريقكم؟ وهل هناك جهة تمتلك السلاح في الأصل لتوجّه نيرانها اليكم؟».
واليوم، يرفض القيمون على هذه «السرايا» ادراج مدى شرعية وجودها في المناطق الداخلية وبين المنازل والاحياء ضمن جلسات حوار شكلت لأسباب متعددة أبرزها: إيجاد حل للفراغ الرئاسي، تهدئة النفوس والاحتقان المذهبي في الشارع، رفع الغطاء عن جميع المرتكبين وتسهيل عمل القوى الامنية داخل ما يُعرف بالمربعات الامنية. ومن الواضح أن هذا الرفض له أسباب يعتبرها الحزب جوهرية تتعلق بعمله الامني والعسكري خصوصا وأن لهذه المجموعات المسلحة اعمالاً جانبية كمراقبة المناطق والشخصيات وتقديم التقارير المفصلة بشكل يومي إضافة الى اغلاق المنافذ المؤدية الى بعض الاحياء وزرع اعلام الحزب فيها لترهيب الناس وحثهم على الرحيل وترك منازلهم في حال تمكنهم من ذلك. وهذا ما بدأ العمل عليه على طول خط الساحل الممتد من بيروت الى صيدا لربطها بالجنوب لاحقاً.