Site icon IMLebanon

«حزب الله» يُعيد أهوال «حرب تموز».. الى حلب

خلف «الانتصارات» التي يُهلّل لها «حزب الله» في حلب والمعطوفة على أوجاع الأهالي هناك، والتي تراوح بين قتل وجرح وسجن وتهجير، ثمة فئة واسعة تنتمي إلى بيئة الحزب وجمهوره المُمتد على مساحة سيطرته الأمنية والعسكرية في البلد، بدأت تتوجس خيفة من هول المشاهد التي تصل من حلب ومن حجم المأساة التي تُعاني منها المدينة المنكوبة لأسباب تتعلّق أوّلاً بالتعاطف الإنساني مع الضحايا والإحساس بمسؤولية غير مُباشرة عمّا يتعرضون له لمُجرّد أنهم ينتمون إلى الطائفة نفسها التي يتكوّن منها «حزب الله». والسبب الآخر، هو أن هذه البيئة تُدرك تماماً ومن خلال الخبرات التي اكتسبتها خلال معايشتها للحزب لسنوات طويلة، بأن وراء هذا الحجم الهائل من القتل والتنكيل والدمار في حلب، لا بد وأن يُخلّف وراءه، نكبة كبيرة لها قد تتظهّر في الفترة المُقبلة، في الأبناء والأشقّاء والآباء. نكبة قد تتساوى في آلامها، مع أوجاع أهالي حلب.

على الرغم من أن الطائفة الشيعية في لبنان قد حوّلها «حزب الله» إلى متراس ليتلطّى خلفه في كل مرّة تستدعي الحاجة، إلا أن الحقيقة هي أن هناك جزءاً لا يُستهان به من أبناء هذه الطائفة، «يغرّد» خارج فضاء وقضاء الحزب ولا تُلزمه قراراته كما أن هؤلاء المتوجسين غير راضين عن مُعظم مُغامرات الحزب، خصوصاً تدخله العسكري في سوريا، ولا سيّما أنّه سبق أن كانت لهم مواقف مُنددة بوقوف «حزب الله» إلى جانب النظام الدموي ومشاركته في ذبح الشعب السوري. وللتذكير أن هذه الفئة الخارجة عن سيطرة الحزب وغير الخاضعة لا لترهيبه ولا إلى ترغيبه، إنّما تعرضت لأبشع المُضايقات والتوصيفات لدرجة وصلت بقيادة الحزب إلى وصفهم بـ»الخونة» و»العملاء» و»الخوارج»، كمقدمة لهدر دمائهم.

ثمة من في الضاحية الجنوبية، بدأ يتحدث في العلن عن حجم الكارثة التي تنتظرهم بمجرد إعلان «حزب الله» عن انتهاء «تحرير» حلب بالكامل. يُشير هؤلاء إلى «خبريات» تصلهم من خلف الحدود تتحدث عن أرقام كبيرة من عناصر الحزب سقطوا وأن بعضها بدأ فعلاً يصل تباعاً إلى لبنان في وقت تعج فيه مستشفيات الضاحية والجنوب والبقاع، بمئات الجرحى. أما على أرض الواقع، فالملاحظ أن الحزب قد استعاد في الفترة الأخيرة، أسلوب التشييع على مراحل. فخلال أسبوع تقريباً شيّع ما لا يقل عن ستة عناصر، كان آخرهم عنصران شُيّعا يوم أمس هما عباس حسين الحسين الموسوي الذي شُيّع في الغبيري وحسن العسكري حسين فقيه «سلمان« من عين قانا.

من المؤكد أن الحرب التي يخوضها «حزب الله» في حلب والتي يعتبر أن ما تحقّق فيها خلال الأيّام الماضية هو «إنجاز» كبير، إنما يخشى أن تنقلب لغير صالحه في الداخل اللبناني وتحديداً مع جمهوره في حال ظهرت حقائق الخسائر التي مُنيَ بها هناك، ولذلك يتريّث إعلامه إلى حد كبير، في الإعلان عن حقيقة الميدان والتكلفة الباهظة التي تكبدها خصوصاً أن عناصره المناوبين في حلب والذين عاد عدد منهم إلى ديارهم لتمضية إجازاتهم الشهرية، قد أقرّوا بصعوبة وضراوة معركة حلب وبأنها فعلاً لم تكن «نُزهة» بل هي مدينة «الموت» أو «الأشباح»، بحسب وصفهم.

حتّى اليوم، لا إحصاءات رسميّة مؤكّدة لخسائر «حزب الله« في سوريا منذ بداية الثورة ولغاية اليوم، رغم أن المعلومات تُشير إلى أن عدد القتلى قارب الألفي مُقاتل، لكن المؤكد أنه في حلب وحدها، خسر الحزب الجزء الأكبر من مجموع عناصره الذين فقدهم، وهذا يدل على أن «حزب الله» قد تأقلم مع الموت بعدما حوّل سوريا إلى وجهة حرب أو نقطة اشتعال دائمة، ألهته ربما عن جبهات أخرى وكأن المرحلة تتطلب أن يُستبدل طريق القدس بحلب بعد أن جرى استبداله سابقاً، بحسب السيد حسن نصرالله، بطريق «القلمون». وفي سياق الشعار المُستجد، أي طريق «تحرير» حلب، يبدو أن هذه الأخيرة صارت «قبلة« لـ«الجهاد« وعنواناً لحزب يُصرّ على تحقيق «الانتصارات« بأي طريقة وأي تكلفة، إذ لا يهم عدد الذين يسقطون أو يُجرحون أو حتّى يؤسرون، فالمهم الإيفاء بالالتزامات وتحقيق شعار «التضحية بالثُلثين من أجل الثلث المُتبقّي«.

الطائفة الشيعية المأسورة لا تتردد في التعبير عن آرائها الحرّة بما يجري في حلب. ومواقع التواصل الاجتماعي تشهد على «الانتفاضة» الشيعية في وجه ممارسات «حزب الله»، كما تحوّلت بعض وسائل الإعلام الحُرّة، إلى منبر خاص لإيصال الأصوات في كل اتجاه في ظل الصمت المُخيف الذي يُمارسه إعلام «الممانعة» حول حقيقة ما يجري في حلب. ونظر هؤلاء في مرآة حلب وما حل بها، سوف يعكس لهم صورة من الماضي القريب، صوة تبرز حجم الدمار والحقد والموت، الذي سبق وخلّفته آلة الحرب الإسرائيلية في لبنان.