في ثمانينيات القرن الماضي خلال الحرب شاع في لبنان تعبير «الجيش هو الحل» والذي كان عنوان كتاب للعميد فؤاد عون. كان الإنطباع العام في تلك الأيام أن قائد الجيش الطموح العماد ميشال عون وراء الفكرة. أما الردود، فإنها جاءت من نوع القول: «الجيش هو أداة الحل» أو القول «الجيش هو حيطة الحل». لكن الجيش اللبناني لم يكن القوة اللبنانية الوحيدة التي تملك السلاح، وسط القوة العسكرية السورية، وما بقي من قوة المنظمات الفلسطينية، وما بقي من القوة الإسرائيلية في الشريط الحدودي بعد الإجتياح، والميليشيات اللبنانية. فضلاً عن أن تركيبة لبنان الإجتماعية التي تنعكس بطبائع الأمور على الجيش حالت وتحول دون قيام إنقلاب عسكري ناجح قادر على الحكم والإستمرار. حتى في الشغور الرئاسي والأخذ والرد بين السياسيين حول التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون او تعيين قائد جديد، فإن الجيش يبقى خاضعاً للدستور مهما تكن حال الشرعية السياسية.
اليوم، حيث يمسك «حزب الله» بمفاصل السلطة في البلد ويقرر بالنيابة عنه فتح الجبهة الجنوبية لمشاغلة إسرائيل بـ»الضغط والمساندة» من أجل غزة، بعدما شارك ولا يزال في حرب سوريا، يظهر تعبير آخر على لسان الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لـ»الحزب»: «المقاومة هي الحل». وهذه مسألة إشكالية، ولو كانت المقاومة وطنية تضم مقاتلين من كل الطوائف والمذاهب، وليست «مقاومة إسلامية» هي عملياً مقاومة «إيديولوجية دينية» ملتزمة ولاية الفقيه. فالحل في لبنان تعددي هو الدولة الوطنية القائمة على التمثيل الشعبي الديمقراطي، الخادمة للشعب والحامية للوطن بقوتها الذاتية. وأي حل آخر هو مقامرة فاشلة ولو نجحت مؤقتاً، كما تعلمنا دروس التاريخ اللبناني من القرن التاسع عشر الى القرن الحادي والعشرين.
ذلك ان الأمين العام السيد حسن نصرالله يقول: «إن المستقبل للمقاومة التي هي شرط وجود». لكنه يعترف بأن لبنان «لا يتحمل طائفة قائدة مهما يكن لديها من فائض قوة، و»حزب الله» ليس قادراً وحده على بناء دولة عادلة وقادرة، ويحتاج الى التعاون بين الأحزاب والتيارات. فقد تصبح حزباً إقليمياً، لكنك تبقى في لبنان حزباً مشاركاً في حياة سياسية». ولا شيء يوحي ان من السهل تجاوز الواقع في لبنان حتى بالنسبة الى من يرى إمكاناً لتغيير الواقع بالقوة والتراكم الديموغرافي والعمل ضمن «محور المقاومة» بقيادة إيران.
صحيح انه ليس في تاريخ لبنان ظاهرة على طريقة «حزب الله». حزب مسلح نجح في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي وبقي في دور «مقاومة إحتياطية» ضد أي إعتداء ثم لعب أدواراً عسكرية وأمنية إقليمية. ومشروعه ليس مجرد حصة كبيرة في السلطة بل إقامة لبنان آخر ضمن مشروع إقليمي إيديولوجي له أهداف جيوسياسية وإستراتيجية واسعة. لكن الصحيح ايضاً أن كل تجارب الهيمنة على لبنان بالقوة من جانب هذه الطائفة او تلك، وهذه القوة الإقليمية او تلك، انتهت الى الفشل بعد إلحاق الأذى بلبنان. وتجربة «حزب الله» ليست إستثناء من القاعدة. حتى لعبة الأرجحية فشلت. من الأرجحية المارونية الى الأرجحية السنية وصولاً الى الأرجحية الشيعية. ولعلنا في حاجة الى التذكير بقول المؤرخ لويس لافام: «يجب الإتيان بالماضي ليتحدث في ميكروفون الحاضر» لأنه يعلّم ويضيء الحاضر.