تغيّر كبير طرأ على الخطاب الأخير للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، ليس في المضمون والشكل فحسب، بل في تحديد اهداف معاركه. «معركة القلمون حتمية«، يقول نصرالله، من دون أن يشير الى الهدف من هذه المعركة، لا على الصعيد الميداني ولا السياسي. ربما ادرك نصرالله خطورة «الفشخة« الكبيرة، وقرّر صعود السلّم «درجة درجة«، حفاظاً على ما تبقى له من مصداقية. فالواقع الميداني الذي شهده الجنوب والشمال السوريان ، والتقدّم الكبير للمعارضة على تلك الجبهات، جعل من نصرالله ذلك الرجل «الحَذِر«، الذي بات يسير على حبل رفيع.
إعلامياً، وعلى الرغم من تسريب معلومات على لسان «المنظومة الاعلامية للممانعة« حول اقتراب معركة القلمون، الا أن نصرالله تنصّل منها، وأكد أن «حزب الله لم يصدر اي بيان رسمي حول القلمون«.
مؤخّراً، جاء تعميم حزب الله على «منظومته الاعلامية«: «للالتزام بالخطة الجديدة«. فعلى ماذا تقوم هذه الخطة؟!
قبيل سقوط «القصير« في الخامس من حزيران عام 2013، خرج نصرالله ليعلنها بالفم الملآن: «معركة القلمون نحن رجالها ونحن صناعها«. وعقب سقوطها، اعلن نصرالله انه «لو لم يقاتل الحزب في القصير والقلمون لكان البقاع «خلص« وكان «التكفيريون« وصلوا الى الجبال وعكار ولكانت المعارك في بيروت والجنوب«! في تبريره لاحتلال القصير يومها، وضع نصر الله هدفين: الاول، حماية القرى الـ5، والثاني «كي لا يضطر الى قتالهم في الجنوب لاحقا«! انتهت المعركة واعلن السيّد «نصراً الهياً« بنكهة «البقلاوة«. وفي اليوم التالي، خرجت الماكينة الاعلامية لحزب الله لتتحدّث عن حقيقة «الهدف« من المعركة :» بعد سقوط القصير، ووصل دمشق بحمص، لا بدّ من سقوط مؤتمر جنيف«!
لكن سرعان ما تبيّن أن هذا «النصر« لم يتحقّق، وأن آلاف المقاتلين اعادوا استجماع قواهم وسيطروا على الجرود بتشكيلات منظّمة، وأن الثلج لم يشكل عائقاً امام حركة هذه المجموعات.
ذاب ثلج القلمون وعاد الحديث عن «استحقاق الربيع« وعن «ام المعارك«. لكن ظروف معركة القلمون اليوم، إن وقعت، تختلف عن ظروف معركة «القصير«. يومها كان الاصطفاف العالمي في مصلحة المعارضة، ولم تكن المفاوضات «النووية« المباشرة قد انطلقت بعد، وكانت الخلافات العربية-العربية والعربية-التركية آخذة بالتفاقم. اما اليوم، فالمشهد تغيّر برمّته. توحّدت الفصائل على وقع الاتفاقات الاقليمية الجديدة، وانطلقت «عواصف «الحزم« في المنطقة بأشكال مختلفة، وتقدّم الثوار على الجبهات، وباتت «انتصارات« محور الممانعة «الحتمية« موضع شكّ.
هكذا خرج نصرالله بأسلوب جديد، اسلوب يتحدّث عن معركة لا عن «اهداف«. وهكذا اعتمدت المنظومة الاعلامية للممانعة خطة جديدة، تقوم على الابتعاد عن «الفشخة الكبيرة« والالتزام بـ«درجة درجة«. وباتت هذه الماكينة الاعلامية تتحدّث عن بعض المعارك بايجاز كبير. لا بل اكثر من ذلك، تكتب المنظومة:» وعلى الرغم من عدم إعلان انطلاق المعركة رسميا، الا ان الجيش السوري وحزب الله حقّقا تقدماً في جرود عسال الورد، واستطاعا وصل جرود بريتال بجرود عسال الورد كمرحلة اولى«. هكذا يحقق حزب الله انتصارا «موضعياً« امام جمهوره على الرغم من عدم انطلاق المعركة. فكيف اذا أُعلن نطلقها؟!
الا ان الواقع الميداني لا يوحي بانجازات تستحق الوقوف عندها. فالحديث عن «وصل جرود لبنانية بجرود عسال الورد فيه شيء من التضخيم والتسخيف في آن«، تقول مصادر اعلامية معارضة في القلمون. وتعزّز المصادر وجهة نظرها بالقول: « إن جرود عسال الورد هي اصلاً متداخلة بالجرود اللبنانية وتحديدا ببلدة الطفيل، فكيف يكون حزب الله قد انجز وصل الجرود بعضها ببعض«؟!
ويتابع، «شن حزب الله هجوماً انطلاقا من جرود نحلة وبريتال وبلدة الطفيل، ودخل جرود عسال الورد بحدود الـ10 كيلومترات، وسيطر على نقطتين فيها فقط«.
وعن المعركة التي شهدها محور عسال الورد-الجبة، يقول المصدر، انه «في اليوم الأول من الاشتباكات، تكبّد حزب الله خسائر كبيرة، بعد دخول مقاتليه بمجموعات صغيرة، ما ادى الى سقوطها في كمائن محكمة. عندها، اعاد حزب الله اقتحام الجرود بأعداد ضخمة وبغطاء من النيران الكثيفة، فنجح بالسيطرة على بعض الكيلومترات«.
وفي هذا الاطار، اعلن «جيش الفتح« في القلمون مساء امس الاول، عن استعادة السيطرة على كافة هذه النقاط التي كان حزب الله قد سيطر عليها في جرد الجبة. بهذا المعنى يكون الانتصار الذي هُلل له في اعلام المقاومة بطريقة عاجل عاجل عاجل لا يعدو كونه انتصاراً اعلامياً.
وعن تحضيرات المعارضة للمعركة، إن وقعت، تؤكد المصادر اتمام الاتفاق النهائي على ضم 18 فصيلا الى جيش الفتح، اي كافة فصائل المعارضة في القلمون، بالاضافة الى تشكيل كيان اعلامي موحّد، يشمل 30 تنسيقية واكثر من 50 اعلاميا في مكتب واحد.
على الرغم من الاهمية «الاستراتيجية« لجبال القلمون بالنسبة الى حزب الله، الذي يرى فيها امتدادا للمعبر الحدودي الوحيد للنظام السوري (جديدة يابوس) بعد خسارته المعابر الحدودية مع العراق والاردن وتركيا، كما انها الطريق الوحيد الذي يصل دمشق بالساحل السوري، الا ان جميع المؤشرات الميدانية، توحي، بحسب متابعين، أن ما قيل عن «معركة حتمية«، لا يعدو أن يكون، اقله حتى الساعة، «بالونا اعلاميا«، للتغطية على خسائر محور «الممانعة« على معظم الجبهات، وأن «الفشخة« التي أطّل بها نصرالله مع دخوله الحرب الى جانب النظام السوري، لا تبدو الآن آيلة للتحقيق مع التغيير الحاصل في موازين القوى.