Site icon IMLebanon

«حزب الله» يتشدد في الحوار وخارجه لريبته من التوظيف الأميركي للحراك

 

يقول أحد الذين شاركوا في اجتماعَي «هيئة الحوار الوطني» اللذين عقدا حتى الآن، إن الانطباع الذي يخرج به من يستمع الى المداخلات يستنتج أن مستوى الهموم والمواقف التي يتطرق إليها المتحاورون هي أدنى من تلك المداخلات والمواقف التي شهدتها طاولة الحوار التي عقدت عام 2006 وتناولت أموراً كبرى ومهمة، مثل موضوع العلاقة مع سورية، والسلاح الفلسطيني، إضافة الى المحكمة الدولية.

وتشير الشخصية المشاركة في الحوار إلى أن الشعور بانخفاض مستوى المداخلات يعود الى أن بعض الأقطاب أدلى بمرافعة ركيكة جداً في شرح موقفه من موضوع رئاسة الجمهورية لم تنفع في تدعيم رأيه أو وجهة نظره، فيما جاءت مداخلات البعض الآخر تكراراً لما يقال منذ أشهر، بحيث لم تضِفْ تلك المداخلات جديداً حتى الآن، باستثناء بعض المرافعات التي كانت تنطوي على شيء من التماسك.

ومن أسباب هذا الانطباع، أن الزعماء الذين دخلوا إلى الطاولة في 9 أيلول (سبتمبر) ثم في 16 أيلول، حضروا بعد أن كان الحراك المدني والشعبي والشبابي قد أشبع الساحة السياسية والإعلامية تهشيماً بهؤلاء الزعماء، بحيث سقطت هالة كل منهم بلا استثناء، إذ إن الاتهامات التي وجهتها حملات الاعتراض والاحتجاج لم توفر أياً منهم، بمن فيهم الغائب عن الحوار الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، مثله مثل سائر الجالسين إلى الطاولة.

وفي اعتقاد الشخصية نفسها، أن من الأمثلة على استهلاك الطبقة السياسية نفسها أمام الجمهور العريض، أن بعض الحوار على الطاولة وخارجها، تناول مشكلة النفايات (التي تشكل معالجتها أولوية) من زاوية المقايضة والمبادلة وطلب الأثمان مقابل تسهيل عملية رفعها من الشوارع وإيجاد المكبات الموقتة لها وفق خطة لجنة الخبراء التي شكلها وزير الزراعة أكرم شهيب. وبالإضافة إلى بروز الحاجة الى الالتفات لمنطقة عكار المحرومة بتخصيص مبلغ 100 مليون دولار لمشاريع إنمائية، وهي تحتاج لأكثر من ذلك بكثير، مقابل تحويل مكب منطقة سرار العكارية إلى مطمر للنفايات ومعالجتها، فإن هذا فتح شهية مناطق أخرى على طلب الأثمان أيضاً، حيث طُرح الأمر نفسه بالنسبة الى استخدام مكب منطقة برج حمود، ما دفع رئيس حزب «الطاشناق» هاغوب بقرادونيان، وهو عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي بزعامة العماد ميشال عون، إلى القول: «إذا المطلوب اشتراكنا في حل أزمة النفايات فنحن جاهزون إلا أننا يجب أن نكون شركاء في كل شيء». وفُهم أن الطاشناق يرغب في خطة إنمائية لمنطقة برج حمود الأرمنية بموازاة مكب النفايات في المنطقة، وهو ما دفع رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» إلى اقتراح تجديد البحث بإقامة مشروع «لينور» الذي كان سعى إليه الرئيس الراحل رفيق الحريري قبل استشهاده.

كما أن رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، الذي مثل العماد عون في جلسة الحوار الثانية، كرر بوضوح عندما طُرح موضوع النفايات كلامَ بقرادونيان في الجلسة فقال: «تريدوننا شركاء في حل أزمة النفايات ونحن نريد أن نكون شركاء في كل الأمور الأخرى».

وإذ لمح باسيل بذلك الى مطلب فريقه بترقية الضباط، ومنهم العميد شامل روكز، واشتراطه للقبول بتفعيل عمل الحكومة الاتفاق على آلية اتخاذ القرارات، فإن موقفه جاء صدى للتداول الجاري منذ أسابيع بصيغة لترقية 8 ضباط بعضهم يضاف الى عضوية المجلس العسكري (أعضاؤه ستة بعد ملء الشغور فيه) والبعض الآخر تسند إليه وظائف محددة وفق مرسوم تنظيمي لهيكلية الجيش. وبات معلوماً أن هذه الصيغة لم تلق توافقاً من كل الأطراف، ولذلك لجأ بعض الباحثين عن مخرج لفك أسر العمل الحكومي، إلى فكرة ترقية العميد روكز وحده، وتردد أن قائد الجيش قَبِل بها بعد أن كان تحفّظ على فكرة ترقية عدد من الضباط خشية غياب المعايير المهنية وغلبة الانتماءات السياسية على العملية.

وإذ يرى سياسي مراقب أن هذه الأمثلة دليل على تداخل أزمة النفايات مع سائر الأزمات السياسية، فإن ذلك أغرق طاولة الحوار بمتاهات تمزج بين جدول أعمالها، بحيث «بات عليها أن تفرز بين الزبالة المنزلية والنفايات السياسية، سواء من المصدر أو في الدوائر السياسية. وهذا صعب جداً».

إلا أن مصدراً سياسياً بارزاً يقدم قراءة مختلفة لاستمرار التعطيل في البلد، بدءاً من التخبط في أزمة النفايات، وصولاً الى صعوبة التوافق على ملء الشغور الرئاسي على طاولة الحوار، وفق ما ظهر من مواقف في الجلسة الثانية، مروراً بتعطيل عمل الحكومة.

وفي اعتقاد المصدر السياسي أن هناك فريقاً في البلد يمسك بموقع الرئاسة لأسباب إقليمية، هو «حزب الله»، نظراً الى أن انخراطه في الحرب السورية والمواجهة الدائرة في الإقليم، من اليمن إلى الزبداني، فضلاً عن العراق، ووجد في الحراك الشعبي والمدني الأخير ما جعله يرتاب من المعلومات عن دعمه من دول معينة، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية. وتفيد المعلومات بأن «حزب الله» رصد مجموعة من الإشارات التي أقلقته عن صلة بعض قادة الحراك بالجانب الأميركي، وأثار ذلك حفيظته، نظراً الى تزامن هذا الحراك اللبناني وتوجيهه الى كل الطبقة السياسية وعدم استثناء قيادة الحزب منها، مع الحراك الشعبي في العراق بهدف تقويض نفوذ إيران فيه، إذ إن طهران بدورها ترصد محاولات أميركية لإحداث تغيير في مواقع النفوذ الإيراني، بدءاً من الداخل الإيراني نفسه بعد حصول الاتفاق على النووي، في إطار مراهنة غربية على أن يعقب هذا الاتفاق تغيير في البنى السياسية في طهران، وتعديل في الانفلاش الإقليمي الإيراني عبر الحرس الثوري، لإعادته الى الحجم المعقول. وهذا يشمل اليمن والساحة الفلسطينية، إضافة الى العراق وسورية.

ويشير المصدر البارز الى عودة المرشد السيد علي خامنئي الى اعتبار أميركا الشيطان الأكبر وتحذيره من الثقافة الأميركية التي قال إنه يخشى منها أكثر من خشيته من قوتها العسكرية. هذا فضلاً عن أن ما كانت تأمله طهران من رفع العقوبات الاقتصادية وتحرير أرصدة مالية لها لقي عراقيل كبيرة، لا سيما أن الكثير من أموال طهران صودر لدفعه تعويضات الى مواطنين أميركيين تضرروا من أعمال إرهابية اتُّهمت بها طهران، ومنهم الرهائن الأميركيون في ثمانينات القرن الماضي، إضافة الى ضحايا تفجيرات حصلت في بيروت.

ويقول المصدر نفسه إن أوساط «حزب الله» في لبنان لم تخف شكوكها، مثل أوساط حليفة له، من النية الأميركية للإفادة من الحراك الشعبي لدفع الأمور نحو انتخاب رئيس للجمهورية وتسريع إعادة تفعيل المؤسسات اللبنانية من دون التفاوض مع الجانب الإيراني على الأثمان، أو الأخذ بموقف حلفائه في بيروت. وإذا صحت هذه القراءة، فإن المصدر البارز يرى في استمرار وضع الشروط من «حزب الله» مستظلاً مطالب العماد عون، ردّاً على ما يعتقده محاولات أميركية لتقليص نفوذه في البلد، مع تجاهل التفاوض مع إيران حول أدوارها الإقليمية، لا سيما في سورية.

وفي تقدير المصدر نفسه، فإن الحوار سيبقى محكوماً على الأرجح بإصرار الحزب على عرقلة الحلول في هذه الظروف، إلى أن يأتي الضوء الأخضر من تسوية إقليمية أو دولية.