ما الصلة بين تصعيد نصر الله ولائحة المطالب الأميركية لروسيا؟
«حزب الله» لا يرى مانعاً من تحويل لبنان إلى صندوق بريد بين طهران وترامب
السؤال الذي يفرض نفسه:أي تحدّيات تواجه لبنان في المرحلة المقبلة… وهل الضاحية مستعدة لحرب جديدة مع إسرائيل؟
لم تدم طويلاً هدنة الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله، التي بدا أنه التزم بها مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، حيال المملكة العربية السعودية ودول الخليج. عادت لغة التخوين والوعيد التي كان يستخدمها نصر الله، مُوَتراً العلاقة بين لبنان وبعده العربي، كاشفاً لبنان مجدداً على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، في وقت كان يتمّ تقديم التسوية على أنها عامل محصّن لحماية لبنان وإبعاده عن تأثيرات النيران المشتعلة حوله، وأنها مدخل لإعادة الثقة عربياً ودولياً بالدولة التي اقتربت كثيراً من أن تصبح دولة فاشلة بكل المقاييس. وبدا من سياق خطاب نصر الله أن لهذا الاستهداف وظيفة هي قطع ما تم وصله، أو خُيّل للبعض أنه وُصِل من خلال زيارة عون إلى المملكة، في أول إطلالة خارجية له، مقدّماً نفسه عرّاباً وضامناً لإعادة العلاقات اللبنانية – الخليجية إلى سابق عهدها، ومراهناً على عودة خليجية وعربية في الاستثمار والسياحة والدعم الاقتصادي والمالي، وحتى العسكري.
الاستهداف لا يبدو مكتمل المعالم حتى الآن، ولا المدى الذي سيذهب إليه، لكنه يأتي في سياق تسارع التطورات التي طرأت على المشهد الإقليمي والدولي مع بدء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإعلانه الواضح عن تبدّل في الاستراتيجية العامة للإدارة الجديدة، حيث لم تعد إيران «مُدللة» لدى سيد «البيت الأبيض» ولا يبدو أنه سيتم غض الطرف عن أذرعها العسكرية في دول المنطقة التي تستخدمها لزعزعة تلك الدول وفرض نفسها كقوة إقليمية كبرى.
بالنسبة للمراقبين، فإن إحياء ذكرى استشهاد قيادات حزبية رفيعة في إطار الصراع مع الاحتلال تفرض على نصر الله أن يرفع من سقف الحرب الكلامية مع إسرائيل، وأن يستفيد من المناسبة لرفع وتيرة التعبئة ضدها، ولا سيما أن هذا الصراع لا يزال مفتوحاً، وإن كان الجنوب شهد على مدى أحد عشر عاماً أطول فترة من الهدوء، وكانت وتيرة الكلام عن إمكانية حرب بين إسرائيل و«حزب الله» ترتفع حيناً وتخفت حيناً آخر، إلى حد أنها باتت مستبعدة منذ انطلاق الحرب في سوريا وانخراط «حزب الله» فيها، انطلاقاً من أن الحزب المنغمس في الوحول السورية ليس من مصلحته استدراج الإسرائيلي إلى مواجهة معه، تماماً كما أن الإسرائيلي يرى أن انغماس «حزب الله» في تلك الحرب يستنزفه بشرياً ومادياً ومعنوياً، ويُثقل العبء على بيئته الحاضنة التي تتشح أكثر فأكثر بالسواد، والتي باتت تعي جيداً فاتورة المزيد من الحروب والدماء والخسائر، الأمر الذي يجعل بيئته أكثر حذراً وقلقاً من أن تُدفع إلى حرب جديدة.
إلا أن نصر الله في خطابه ذهب أبعد من الكلام التعبوي والاعتداد بالنفس في مثل هكذا مناسبة. وفي رأي سياسيين، عبّروا منذ فترة عن مخاوف من احتمال انكشاف لبنان في ظل سقوطه الكلي تحت النفوذ الإيراني، أن أمين عام حزب الله قد أعلن رسمياً تحويل لبنان إلى صندوق بريد بين إيران وترامب، في رسالة مفادها أن لا مانع من تحويل لبنان إلى ساحة من ساحات المواجهة الإيرانية – الأميركية إذا لزم الأمر واستدعت الحاجة، وذلك في إطار المواجهة الكبرى في المنطقة، والتي تدور رحاها راهناً بين العراق وسوريا واليمن، ومفتوحة لأن تمتد إلى البحرين.
الخطاب، وفق القراءة الأولية للمراقبين، ليس موجهاً للداخل اللبناني الذي لا يُعير صاحبه كبير أهمية له، ولا سيما في ظل اعتباره أن غالبية القوى قد سلمت له بهذا النفوذ، وهي عاجزة عن مواجهته محلياً، كما أنه رغم نصائحه للإسرائيليين بتفكيك مفاعل «ديمونا»، فإن كلامه ليس موجهاً لإسرائيل بقدر ما هو موجه للإدارة الأميركية، ومفاده أن أمن المنطقة بيد هذا الذراع الإيراني الأقوى بفعل التماس الجغرافي مع إسرائيل، ليس فقط على الحدود اللبنانية الجنوبية، حيث يمكنه من سواحل لبنان الجنوبية أن يطال «سفينة الأمونيا» في عرض البحر، والتي لا يمكن للأمواج أن تخبئها والتي تعادل خمس قنابل نووية، ما دمتم قد فككتم منذ عشرة أيام خزان الأمونيا في حيفا والذي يعادل قنبلة نووية.
السقف العالي في خطاب نصر الله ليس مفصولاً عما وصل إلى مسامع طهران ودمشق وحارة حريك من لائحة مطالب أميركية سُلمت إلى روسيا، وفي مقدمها أن على الراعي الروسي في سوريا أن يعمل على خروج الميليشيات الإيرانية وأذرعها العسكرية وتحديداً «حزب الله» منها كشرط أساسي للمشاركة في قتال تنظيم «داعش» في الرقة ودير الزور. وحين يقول وزير الخارجية الروسي أن منع إيران من المشاركة في الحرب ضد الإرهاب أمر غير براغماتي، وأنه على واشنطن الاعتراف بدور «حزب الله» في قتال «داعش»، فإن هذا يعني أن ملف الوجود الإيراني و«حزب الله» في سوريا قد أصبح على طاولة المفاوضات، وأن هذه الورقة هي بيد موسكو. ولهذه الورقة، تالياً، ثمناً لا بد من دفعه في إطار لعبة المصالح والمكاسب. وإذا لم تكن المفاوضات مثمرة والثمن غير واضح، فإن الحفاظ على هذه الورقة تصبح له الأولوية إلى حين جلاء الصورة.
على أن السؤال الذي يطرح نفسه بعد خطاب أمس يكمن في ماهية التحديات التي ستواجه لبنان في المرحلة المقبلة، وأي رياح تنتظره، خصوصاً أن رئيس الجمهورية وجّه عبر كلامه عن سلاح «حزب الله» وعدم تنافيه مع الدولة وتكامله مع الجيش اللبناني أولى الإشارات السلبية عربياً ودولياً، ويأتي اليوم كلام حليفه ليرسل إشارات أوضح ورسائل أكبر، من قلب ضاحية بيروت التي عاش أهلها في العام 2006 ويلات الحرب الإسرائيلية المدمرة في دعوة لا يشوبها اللبس أنها حاضرة لحرب جديدة ومعها كل لبنان والمنطقة بأسرها!