IMLebanon

«حزب الله» الساكت عن المجازر من الغوطة إلى دوما

أمس استعاد العالم مشهد جثث الأطفال والنساء الممددة على الأرض بعد تنشقهم غاز «السارين» من جراء قصف نظام بشار الأسد الغوطة الشرقية بصاروخين فريدين من نوعهما يحملان «هدايا» الموت الخانق في داخلهما لمدنيين عُزّل لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في بلد باعه حُكّامه بأبخس الأثمان لقاء ضمان إنتقال السلطة فيه من والد قاتل مأجور إلى ولد مجرم مأمور.

فجر 21 آب العام 2013 استيقظ العالم على واحدة من ابشع مجازر العصر واكثرها فتكاً وقتلاً للإنسانية. جريمة ارتكبها النظام السوري بحق شعبه في الغوطة الشرقية راح ضحيتها أكثر من الف شخص نصفهم من الاطفال والنساء، والمفارقة أن المجزرة أو الإبادة الجماعية كما وصفها السوريون آنذاك، ارتكبت بعد ثلاثة أيام من وصول بعثة المفتشين الدوليين إلى العاصمة دمشق لتحقيق في اتهامات استخدام النظام السلاح الكيميائي ضد المدنيين، وكأنها رسالة من رأس هذا النظام إلى العالم بأسره بأن الحفاظ على كرسي الحكم لا يمكن أن تحده دماء الأبرياء ولا أشلاؤهم.

ذبح بلا دماء. التوصيف الأصح لمجزرة ارتكبها «بشار الكيماوي» ووقف على ضفافها حلفاؤه من داخل لبنان وخارجه. لم تُشعر مشاهد الضحايا هؤلاء الحلفاء والتي وزعت يومها بحسب الأرقام بعد أن تشابهت أجسادهم الممدة على أرض المستشفيات والمساجد بأي حرج تماماً كما لم تشعرهم مجزرة بلدة «دوما» منذ أيام بأي تأنيب ضمير ولا حتى دعتهم أقله أمام جمهورهم إلى وقفة مع الذات يستشرقون فيها حال غدهم، لكنهم وبكل تأكيد فقد إستعادوا مقطعاً صغيراً من مجزرة الغوطة يظهر فيه رجل يتوسل حفيدته ابنة العام أن تستيقظ من موتها «قومي الله يخليكي يا جدو»، لكن تسلل «السارين» الى داخل جسدها الطري، كان أسرع من رجائه وتوسلاته.

«حزب الله» الحليف الأكبر والداعم الأبرز للنظام السوري لم يخرج عنه حتى اليوم أي إدانة للمجازر التي تُرتكب في سوريا على يد سفاحها، والأنكى من عدم إستنكاره يكون عادة بتوجيه إتهامات للمعارضة السورية بوقوفها وراء المجازر رغم التقارير الدولية والإعلامية التي تؤكد بالصوت والصورة مسؤولية حليفه عن أكثر من تسعين في المئة من المجازر التي ارتكبت منذ بداية الحرب السورية. لكن هذا كلّه يُقابله الحزب بردود فعل لا تتعدى مقولة «ليس هناك حرب نظيفة».

بالأمس استسلم «حزب الله» مجدداً لصمته بعد مجزرة دوما. قد تكون دواعي الحلف تتطلب منه «موقفاً» كهذا وربما أكثر يمكن ان تصل في بعض جوانبها إلى حد المساهمة الفعلية وكأن هناك تناغماً يصل إلى حد الشراكة والتواطؤ على الشعب السوري، مع العلم أن صمته هذا عن المجازر يحعله شريكاً فيها، كما انه لا يتطابق مع الحملة التي ادارها بعد مجزرة «قانا» خلال العدوان الإسرائيلي في العام 1996، فيومها رفع شعارات «إنتصار الدم على السيف« وسط تأييد عربي ودولي واسع أدى لاحقاً إلى إسقاط الحكومة الإسرائيلية. بينما يقف اليوم عاجزاً حتى عن الإستنكار.

في الذكرى الثانية للمجزرة، لا يمكن إستعادة حقيقة الأرقام أو الإحصاءات الأخيرة لضحاياها، لكن وحدها والدة الطفل ياسين عمّار ابن السنتين والذي قُتل يومها بعد تنشقه غاز الأعصاب، ما زالت تختزن في ذاكرتها آلام وأوجاع ذاك اليوم بكل لحظاته وتفاصيله، «لم يكن هناك من وقت للبكاء ولا للغضب إذ إن كل ما تمنيته ان يفتح ياسين عينيه او أن يُحرّك يده. حملته واتجهت مسرعة الى احدى سيارات الأسعاف التي وصلت بعد ساعتين على سقوط الصواريخ نظراً للحصار الذي فرضه النظام حينها. فرحت عندما خُيّل لي بأن رجله تحركت، لكن ذلك حدث بفعل السرعة التي توجهت بها إلى سيارة الأسعاف التي كانت امتلأت بجثث الأطفال. قبلته بين عينيه ووعدته بلقاء قريب».

مجزرة الغوطة التي ستبقى وصمة عار تُلاحق النظام السوري وحلفاءه، يُمكن أن تتلخّص بمعادلة حسابية بسيطة كان شرحها والد طفل قُتل في المجزرة، تقول « كيماوي سارين، كلور، خردل، + قصف براميل متفجرة، صواريخ + حصار + منع الغذاء والدواء والغطاء + تهجير حمص، القصير، يبرود + مليشيات شيعية + دعم دولي = أسلحة بشار الكيماوي التي قتل بها السوريين على مدى سنوات لكنها خذلته ولم تحقق له أي انتصار على الثورة. الثورة الى النصر و بشار الى القبر«.