مرة جديدة تكتشفت الولايات المتحدة الاميركية انها لا تملك القدرة على خوض مواجهة مفتوحة مع حزب الله على الساحة اللبنانية، «عدة الشغل» المحلية قاصرة عن تنفيذ المهمات الموكلة اليها، الحرب الاقتصادية المعلنة تعرضت «لنكسة» كبيرة بعد تفجير فردان «المشبوه»، كان المتوقع ان «يتهيب» حزب الله المشهد ويصبح في موقف اكثر صعوبة، لكن المفاجأة جاءت من مكان آخر، اصحاب الرؤوس الحامية بردت رؤوسهم، اصيبوا بالهلع، وللمرة الاولى يطلبون من الاميركيين مراجعة جدية لايجاد مخارج تنفيذية للعقوبات المالية، ويطلبون بالحاح مساعدة «للنزول عن الشجرة»..
ملامح هذا المشهد تبلورت في الساعات القليلة الماضية بعد نجاح حزب الله من خلال استراتيجية «الصمت» في تحويل «التهديد» الى «فرصة»، المؤشرات الجدية تشير الى المصرف المركزي تولى جديا للمرة الاولى «الدفة» وعاد الى تنفيذ التفاهمات السابقة مع الحزب ، واول «الغيث» ايجاد مخارج للمؤسسات ذات الطابع الانساني من دائرة تطبيق العقوبات، وقد وجدت هذه المخارج طريقها الى التنفيذ مع فتح حاكم مصرف لبنان رياض سلام قنوات جانبية للتواصل مع مؤسسات «الحزب المدنية» لاعادة فتح حسابات مصرفية كانت بعض المصارف قد اغلقتها تعسفيا في وقت سابق، والجديد في هذا السياق ان المصارف التي كانت تدعي عدم القدرة على ايجاد حلول ورمي «الكرة» في ملعب حزب الله، باتت هي اليوم تقدم الحلول والمخارج لملفات كانت قبل ايام مستعصية على الحل …
اوساط دبلوماسية غربية في بيروت تحدثت عن «انقلاب» المشهد رأسا على عقب خلال ساعات قليلة، ففي بداية عملية «جس النبض» التي قامت بها الدوائر الاميركية المختصة لمعرفة قابلية «هضم» القطاع المصرفي اللبناني للاجراءات الاميركية ضد حزب الله، وجد الاميركيون ان عدة مصارف وشخصيات لبنانية وازنة اكثر تشددا واكثر اندفاعا لتطبيق العقوبات، ووصل الامر الى حد «تبرع» احد البنوك الكبيرة بتقديم معلومات على قدر كبير من الاهمية حول ملفات مالية لشخصيات ومؤسسات تدور في فلك «بيئة» حزب الله، واكثر من ذلك قدم البعض ملاحظاته على اوجه قصور في الاجراءات الاميركية قد تمكن حزب الله من التملص منها، وكان ثمة استعداد للذهاب في المواجهة حتى النهاية.. لكن المفاجأة حصلت بعد تفجير فردان، كان المتوقع ان يأخذ هؤلاء دفعة معنوية كبيرة لتحسين موقعهم في المواجهة، العملية «مفصلة» على قياس حزب الله، وتعطيهم فرصة نادرة لاثبات انهم كانوا على حق عندما لم يسايروا الحزب وتشددوا معه في الاجراءات، لكن «الهلع» كان سيد الموقف، لم يعد هؤلاء معنيين بمعرفة الجهة المتورطة في التفجير، شعروا ان «اللعبة» خرجت عن السيطرة، سواء دخل «طابور خامس» على الخط، او سواء كان التفجير جزءاً من «عدة» الشغل لتوريط الحزب، او كان الحزب متورطا فيها، كل «الطرق» تؤدي الى «الطاحون»، استمرار التصعيد سيفتح «ابواب جهنم» على القطاع المصرفي وعلى من يديره، كان الظن ان يكون القطاع المصرفي «فاعل» لا «مفعول به» الان تغيرت المعادلات، والواضح انه اذا استمر الملف على سخونته فلا حدود للتداعيات، واذا كان اول «الغيث» تفجير «خلبي» فان ما قد يأتي سيكون اعظم…في الخلاصة لا قدرة للقطاع المصرفي اللبناني على خوض مواجهة محفوفة بالمخاطر، اكتشف الاميركيون ان «رأس المال» ليس وحده الجبان وانما اصحاب المال ايضا…
وتروي بعض الاوساط السياسية ان البيانات تحت شعار «بيقتل القتيل ويمشي في جنزاته» كانت حاضرة وموضبة لدى عدد كبير من خصوم حزب الله في الداخل والخارج، للرد على الاستنكار المتوقع والمرتقب للحزب تعليقا على التفجير، ساعات طويلة انتظر هؤلاء دون ان يصدر تعليق او تلميح، انهمرت الاتصالات من كل حدب وصوب، البعض نصح قيادة الحزب بضرورة اصدار موقف، البعض الاخر لم يعد يهمه صدور موقف من عدمه، ولكن همه الرئيسي معرفة ماذا وراء «صمت» الحزب، «مافي بالعادة» قالت احدى شخصيات 14آذار الفاعلة، حتى لو كان حزب الله مسؤولاً عن التفجير ويريد بعث «رسالة، «الرسالة» وصلت، ولكن الصمت يعني ان «القصة» ما انتهت، «انو يقتلوا القتيل وما يمشوا بجنازته» شغلي كبيرة.. «وهلق «لوين»؟ «الله يستر»…
قبل انقلاب المشهد، كان تيار المستقبل منتشيا ازاء «ورطة» حزب الله المالية، كان ثمة رهان على عودة الاميركيين الى التدخل في قضايا المنطقة من «البوابة» اللبنانية، وسمعت شخصيات في «التيار الازرق» كلاما خليجيا عن تعويض اميركي للتخاذل في ملفي سوريا والعراق، بجائزة «ترضية» على الساحة اللبنانية، فالحرب السورية والعقوبات الخليجية لم تحقق اهدافها في تضييق الخناق على حزب الله، ثمة رهان سعودي على هذا القانون لتفكيك البيئة الحاضنة المحيطة بالحزب، وتوقعوا نتائج سريعة دون الالتفات الى خطورة الموقف على الرغم من الخشية التي ابدتها شخصية وسطية «فاعلة» قبل مدة امام عدد من الاصدقاء «الزرق»، حين نصحتهم بعدم تكرار خطيئة الخامس من ايار عام 2008، والحذر في الاستجابة الى الطلبات الاميركية والذهاب بعيدا في تطبيقها، لان الامر على درجة كبيرة من الخطورة، واي سوء تقدير سيؤدي الى نتائج وخيمة، واذا كان ثمة من خانته الذاكرة فان حزب الله لم يهب الدخول في مغامرة السابع من ايار دفاعا عن سلاح الاشارة، فهل يمكن لاحد ان يضمن انه سيبقى مكتوف اليدين في مواجهة حرب مالية تستهدف البيئة الشيعية بأداوت لبنانية، وهي حرب اخطر بكثير من الحرب على اتصالات المقاومة، فحزب الله يخوض اليوم حربا دفاعية عن وجوده في المنطقة، ولن يقبل التضييق عليه اقليميا ودوليا…
اليوم بات الجميع يتهيبون الموقف.. لم تعد القضية حشر حزب الله والتضييق عليه وانما الاسئلة الكبيرة والخطيرة تدور حول مستقبل لبنان وارتداد القانون وتداعياته على النظام الساسي والمالي والقطاع المصرفي… يبقى الرهان حاليا على «عقلانية» اميركية تستجيب لطلب الحلفاء في بيروت تجنبهم تجرع «الكاس المر» مرة جديدة…حزب الله حاول خلال الاسابيع الماضية وضع «السلم» تحت «الشجرة» كي يؤمن لهؤلاء نزولا آمنا، لم يجد آذانا صاغية بل مزيدا من التعنت غير المسؤول، لا يجد نفسه اليوم معنيا بطمأنة احد، حتى لو كان ذلك ببيان استنكار هو لزوم ما لا يلزم… المؤشرات الايجابية تشير الى نوع من «التعقل» بات يسود الاجواء بانتظار استكمال باقي حلقات هذا الملف لمعرفة ما اذا كانت واشنطن ستضعه على الرف او انها تريد فقط تهدئة «اللعبة» موقتا… في الخلاصة لا يعتبر حزب الله مسؤولا عن الازمة الراهنة ولذلك «اللي طلع الحمار على المأذنة عليه بإنزاله»…