أكثر من مئة قتيل وأربعمائة جريح والعدد قابل للارتفاع، هو حصيلة المجزرة التي ارتكبها النظام السوري في بلدة دوما في الريف الدمشقي في سوريا والتي حرّكت مشاعر العالم بأسره أمام هول مشهد الأطفال والنساء الذين توزّعت أشلاؤهم على الطرق وبين الدمار والركام اللذين خلفتهما براميل الحقد المتفجرة، لكنها بقيت عاجزة عن تحريك مشاعر «حزب الله» على قاعدة أبناء ست وأبناء جارية.
لم تشفع بلدة الثمانين مسجداً وربما أكثر المُحاصرة منذ سنوات ولا حتّى دعوات أهاليها وصلواتهم رغم حالة الجوع والعطش، في إبعاد شبح الموت ونار البراميل المتفجرة عن أطفالها ولا بتحريك مشاعر «حزب الله» الذي ادّعى دخوله الحرب السورية بهدف حماية المقامات ودور العبادة. مجزرة أعادت اللبنانيين على وجه التحديد، بالذاكرة إلى زمن حرب تموز ومن قبلها مجزرة «قانا» التي سقط فيها أطفال ونساء ذنبهم الوحيد أنهم التحفوا خيمة «الأمم المتحدة» ظنّاً بأنها قد تحميهم من الموت.
صمت مريب ومخيف يُمارسه الحزب في سوريا، تارة من خلال قتله المدنيين وارتكاب عناصره أبشع المجازر، وطوراً من خلال سكوته عن مشاهد الجثث والأشلاء التي تُخلّفها براميل حلفائه المتفجرة، وكأن هناك تناغماً يصل إلى حد الشراكة والتواطؤ على سوريا الوطن وعلى شعبها. فلا بيانات اعتذار ولا توضيحات استنكار صدرت عن عن الحزب حول مجزرة دوما كانت لتكفي ربما في أن تُريح أجساداً أنهكت وهي تنتظر ستر عورتها في التراب، وكأن المجازر في حسابات الحزب العامة والخاصّة أصبحت تُصنّف بين مجزرة «حلال» و»حرام».
اليوم وبفعل مشاركته النظام السوري في حربه ضد المدنيين، تحوّل «حزب الله» إلى ساكت عن الحق، فعندما يعجز عن إحراز أي تقدم في «الزبداني» وفي فك الحصار عن بلدتي «الفوعة وكفريا»، يلجأ إلى تدمير الأولى فوق رؤوس أهاليها وإلى إحراق قرى وبلدات في «القلمون»، وينتهج سياسة «التطنيش» عن مجازر تُرتكب بحق المدنيين سواء في «دوما» أو غيرها من مناطق كالغوطتين الشرقية والغربية، وهو كان مارس سياسة الصمت نفسها يوم استشهاد الطفل حمزة الخطيب في سجون النظام تحت التعذيب مروراً بصورة الطفل الغارق تحت براميل بشّار الأسد المُتفجّرة، وصولاً إلى آخر طفل في دوما سرقه القتل من حضن والدته.
صور ومشاهد مجزرة دوما أقشعرّت لها الأبدان وهزّت العالم بأسره، لكنها لم تستطع تحريك مشاعر قيادة «حزب الله». فبالأمس لم يسأل أهل دوما الأحياء الحزب عن رد الجميل ولم يطلبوا منه شربة ماء يروون بها عطشاً خلّفه لهيب البراميل المتفجرة في حناجرهم، ولا حتى سألوا عن إنصافهم في الموت بعد التنكّر لهم في الحياة، بل كل ما توسلوه لا يتجاوز كلمة «الرحمة».
أصبح معلوماً أن جرائم الحلفاء بالنسبة إلى «حزب الله» بحاجة على الدوام إلى أدلة وبراهين، وإلا تبقى في قاموسه السياسي والعسكري مُجرّد دعاية «مسبوقة الدفع» يستخدمها الأعداء والخصوم في مواجهتهم مع محور «الممانعة». وهذا النوع من التعاطي الذي يُمارسه الحزب والذي يصل إلى درجة الاستخفاف بدماء الأبرياء والتغاضي عن جرائم حلفائه، قوبل منذ أيام بتعاطف واسع من كل فئات المجتمع اللبناني مع مقطع فيديو بُث على مواقع التواصل الاجتماعية لعنصر من الحزب مرميّاً على الأرض يوصي أصدقاءه بوالدته ويطلب منهم إيصال سلامه لها بعدما أصيب برصاصة في رأسه في الزبداني.
بين سياسة القتل التي يُصر «حزب الله» على ممارستها في سوريا، وبين الوجع الذي يُصيب الشعب السوري من جرّاء هذا التدخل، توجه والد طفل استشهد أمس في دوما إلى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بالقول «اليوم أحسدك يا سيد حسن نصرالله، فيوم استشهاد نجلك استطعت بعد استرجاع جثته أن تحتضنه للمرة الأخيرة وأن تُشبع نظراتك ونظرات والدته منه، لكن يا سيد اليوم لم أتمكن من إلقاء النظرة الأخيرة على ولدي الذي ضاعت أشلاؤه بين أشلاء الآخرين». جملة لا شك بأنها اختصرت وجع الشعب السوري وعكست مدى المظلومية الفعلية التي تلحق به على يد الحزب، وهنا يبرز السؤال التالي: مع كل هذا التورّط الذي يزداد يوماً يعد يوم، ماذا سيتبقّى في الوجدان المُقاوم على أراضٍ حوّلت «المقاومة» زرعها وبساتينها إلى مقابر جماعية لا تنبت أرضها سوى روائح البارود والموت؟.