بعد مرور 21 شهراً تقريباً على الشغور الرئاسي بات من حق الناس أن يسألوا المستمرين في مقاطعة جلسات الانتخاب وعلى رأسهم العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله والنائب سليمان فرنجية: إلى أين تريدون أن تذهبوا بلبنان، ولماذا لا تصارحون الناس بما تريدون علّكم تقنعونهم بصواب ما تفعلون وبصدق نيّاتكم؟ ذلك أنهم لم يسمعوا حتى الآن سوى القول إنّكم تريدون رئيساً للجمهورية يمثّل المسيحيّين تمثيلاً صحيحاً لا رئيساً لا يمثّل سوى نفسه، ولا تقولون لهم كيف يمكن إيصال هذا الرئيس إلى سدة الرئاسة. هل بقوّة السلاح؟ هل باعتماد النظام الشمولي أو العسكري أو الديكتاتوري الذي يفرض تعيينه، أم باعتماد النظام الديموقراطي الذي يعتمده لبنان منذ عام 1943 بحيث ينتخب الرئيس بالاقتراع السري كما ينص الدستور، ومن يحظى بأصوات الأكثرية النيابية المطلوبة يكون هو الرئيس القوي وبقوة هذه الأكثرية؟
لقد تفاهم العماد عون مع الدكتور سمير جعجع على أساس ورقة “إعلان النيات” التي تنص بوضوح وصراحة على “انتخاب رئيس للجمهورية قوي ومقبول في بيئته وقادر على طمأنة المكوّنات الأخرى والايفاء بقسمه وبالتزامات الرئاسة بما يؤمّن الشراكة الفعلية الميثاقية والمصلحة الوطنية العليا”. فإذا كانت هذه الشروط متوافرة بالعماد عون، فليتفضّل وينزل مع نوابه إلى مجلس النواب لمعرفة ما إذا كانت الأكثرية النيابية المطلوبة تصوّت له أم لغيره لأن هذه الأكثرية، وفقاً للدستور وللنظام الديموقراطي، هي التي تقول ذلك وليس سواها. وهل يلتزم العماد عون، باستمرار مقاطعته جلسات الانتخاب، النص الوارد في ورقة “إعلان النيات” وهو: “الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي أقرّت في الطائف، واحترام أحكام الدستور من دون انتقائية وبعيداً من الاعتبارات السياسية والتفسيرات الخاطئة”؟ فأين الالتزام بهذا النص وهو يستمر في مقاطعة جلسات الانتخاب تارة بحجة أن مجلس النواب الممدّد له لا يمثل إرادة الشعب تمثيلاً صحيحاً كي يعترف بنتائج انتخاب الرئيس، وطوراً بالدعوى الى انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وهو يعلم علم اليقين أن هذا يحتاج الى تعديل للدستور، وتعديله يحتاج إلى موافقة ثلثي عدد النواب، وهذا غير متوافر في الوقت الحاضر، فكيف يطلب منهم تعديل الدستور وهو أهم عمل مطلوب منهم القيام به، إلاّ إذا كان يريد التوصّل إلى تقديم الانتخابات النيابيّة على الانتخابات الرئاسيّة خلافاً للدستور الذي نص على انتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر.
وإذا كانت أهداف مقاطعة العماد عون ونوابه جلسات الانتخاب معروفة وهي أن يكون هو الرئيس وليس أي أحد سواه، فما هي أهداف المرشّح الآخر سليمان فرنجية بإصراره على المقاطعة وعدم استجابة حتى دعوة من رشّحه وهو الرئيس سعد الحريري إنّما استجاب ويستجيب دعوة السيد نصرالله باستمرار المقاطعة.
في المعلومات أن كلاً من المرشّحين عون وفرنجية يحاول أن يصبح في نهاية المطاف مرشّحاً توافقياً ووفاقياً وليس مرشّحاً تصادمياً في معركة حادة تنتهي بفوز أحدهما ويكون فوزه كسراً لطرف بحيث يحول ذلك دون تمكينه من تحقيق مصالحة وطنية شاملة تؤمن الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الثابت والدائم في البلاد.
إن الأمين العام لـ”حزب الله” يشجّع على قيام كل من عون وفرنجية بهذا الدور المزدوج الى أن تقتنع قوى 14 آذار تحت ضغط استمرار الشغور الرئاسي القاتل بوجوب الاتفاق على انتخاب أحدهما للرئاسة الأولى فيكون “حزب الله” هو المنتصر في كل الحالات.
والسؤال المطروح هو: إلى متى سيظل “حزب الله” يمارس سياسة تعطيل جلسات الانتخابات الرئاسية؟ أإلى أن تختار قوى 14 آذار أحد المرشحين عون أو فرنجية للرئاسة ولا تظل منقسمة حولهما فيجد الحزب نفسه محرجاً في أن يختار هو بين هذين المرشّحين؟
الواقع أن لا خروج من هذا المأزق إلا باعتماد أحد الحلول الآتية:
أولاً: أن يسعى “حزب الله” الى جعل أحد المرشحين عون أو فرنجية ينسحب للآخر ليصبح له عندئذ مرشح واحد يواجه به الطرف الآخر في معركة ديموقراطية.
ثانياً: أن يترك للنواب حرية الاقتراع السري لأي من المرشحين عون وفرنجية، فمن يفز بأكثرية الأصوات ينسحب للمرشّح الذي نال أصواتاً أقل.
ثالثاً: أن يتم الاتفاق بين أقطاب الحوار على مرشح تسوية لا يكون من 8 ولا من 14 آذار، بل يكون على مسافة واحدة منهما فيفوز عندئذ بالتزكية. وهذا المرشح هو الذي دعا السيد نصرالله الى الاتفاق عليها كي لا يشكّل انتخابه كسراً لأحد على حد قوله… لكنه لم يعد يأتي على ذكر هذا المرشّح. فهل ينتظر أن تنضج طبخة انتخاب هذا المرشّح فوق نار تعطيل الجلسات، أم فوق نار التسوية المحتملة في المنطقة؟