Site icon IMLebanon

“حزب الله” العالق بين “شاقوفَي” إيران والنظام!

 

 

بين دعوة “حزب الله” عبر أمينه العام السيد حسن نصرالله إلى عودة اللاجئين السوريين من مدينة القصير السورية على الحدود مع لبنان، وإسقاط طائرة إيرانية على سفوح جبل الشيخ السورية بنيران الجيش السوري، ثمة ما يشي بأن ملف الحدود وتوابعه الأمنية والاستراتيجية والديموغرافية، يتقدم في الحسابات الاستراتيجية بين الأطراف الفاعلة والمتعاونة في الجنوب الغربي السوري، أي على مثلث لبنان، الجولان المحتل وسوريا.

سُجل للمرة الأولى سقوط طائرة مسيرة إيرانية بسلاح الجيش السوري فوق مرتفعات جبل الشيخ في سوريا، بحسب زعم الناطق باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي أدرعي، الذي غرّد (السبت) أن “الطائرة التي أعلن عن إسقاطها من قبل الجيش السوري ليست إسرائيلية”، ورجح أن تكون “تابعة إلى قوات قاسم سليماني”، وتساءل “هل باتت اليد اليمنى لا تعرف ما تفعل اليد اليسرى؟”، في إشارة إلى عدم التنسيق بين القوات الايرانية والجيش السوري في سوريا.

 

إذاً، لم يصدر أي موقف من النظام السوري، أو من غيره ينفي ما قاله الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي، لكنه في موازاة ذلك حضر موضوع دعوة نصرالله لعودة اللاجئين السوريين إلى القصير وبعض القرى المحيطة بعد تسجيل أسمائهم لدى مديرية الأمن العام اللبناني، الأمر الذي يطرح سؤالاً مشروعاً عن مدى جدية النظام السوري و”حزب الله” في تحقيق هذه العودة.

 

“حزب الله” وعرض القصير العسكري

 

ففي السنوات الماضية ومنذ انطلاق الثورة السورية في 2011، كان جلياً المسعى الذي قاده “حزب الله”، عبر انخراطه في قمع الثورة من جهة، وحماية لبنان كما زعم من جهة ثانية، في توفير شروط أكبر عملية لجوء لم تشهدها مناطق القلمون والزبداني، بل أدار عملية نقل آلاف المحاصرين في بلدة مضايا والزبداني قبل ثلاث سنوات، إلى إدلب ومناطق في شمال سوريا، هؤلاء كانوا ممن رفضوا الخروج بعدما هجر من مناطق القلمون والقرى الحدودية السورية مع لبنان، أكثر من ثلاثمئة ألف لاجئ بحسب تقارير دولية منذ أن انخرط “حزب الله” بشكل رسمي في الأزمة السورية.

 

إفراغ المقلب الآخر من الحدود اللبنانية مع سوريا، من السكان لم يكن قراراً عفوياً، ذلك أن الوقائع الميدانية كانت تؤكد سياسة طرد السكان، والتي تمثلت في تدمير شبه كامل للحواضر والبلدات والقرى، وعبر ضرب كل مقومات الحياة فيها، وحصر سبل العيش لمن تبقى وهم لا يتجاوزون العشرة في المئة، في مورد الانضمام إلى أطر ميليشيوية وأمنية أسس لها “حزب الله” وإيران، وجرى تنظيم مورد آخر يتمثل بحماية تجارة التهريب لها باتجاه لبنان، فيما دخل لاحقاً الجيش السوري كعنصر فاعل وشريك في هذه العملية التي تشكل عمليات التهريب عصب قوتها.

 

في المقابل كان “حزب الله” حريصاً على تظهير دوره المحوري في هذه المنطقة، فسرّب قبل ثلاث سنوات صور عرض عسكري وكانت عشرات المدرعات والدبابات هي العنصر الأبرز الذي أراد تظهيره للعالم.

 

لم يعد خافياً أن جرود الهرمل وامتداداتها نحو الأراضي السورية وفي قلبها القصير وصولاً إلى مرتفعات الزبداني وعلى امتداد سفوح السلسلة الشرقية في الجانب السوري، تشكل كلها مناطق عسكرية، يعتقد أنها تضم قواعد الصواريخ الاستراتيجية الإيرانية، ومراكز التدريب، لذا كان “حزب الله” منخرطاً في عملية إفراغ المنطقة سكانياً، في سبيل توفير أفضل شروط الحماية لسلاحه الاستراتيجي الإيراني، والقاعدة التي تشكل مركز انطلاقه في مسلسل الحرب السورية المستمر.

 

مغزى نصرالله من الدعوة

 

ولكن يبقى السؤال حول مغزى دعوة نصرالله النازحين للعودة إلى القصير؟ في الإشارة إلى مدينة القصير التي جرى تدمير أكثر من ثلثي ابنيتها، أنها كانت تحتضن نحو خمسين ألف مقيم قبل الثورة، أما اليوم فيقدر عدد المقيمين بنحو ثلاثة آلاف كحدّ أقصى ممن يحظون برضى النظام، ومنهم من بات يرتبط أمنياً بـ”حزب الله”، فيما انتقل جزء من أبنائها إلى لبنان، والجزء الأكبر انتقل إلى مناطق سورية وإلى تركيا ودول أوروبية.

 

يدرك “حزب الله” أن الاستجابة لدعوته هذه، ستكون محدودة جداً، فالعودة الى هذه المناطق تتطلب شروطاً أمنية وسياسية ومعيشية غير متوافرة لمعظم اللاجئين، علماً أن الشرط الأمني هو أساس العودة، إذ إنها تتطلب جملة إجراءات أمنية من جانب “حزب الله” والنظام السوري، تجعل من الصعب حتى على غير “المتورطين” في الثورة العودة، إن لم تكن مرتبطة برضى الممانعة ومتطلباتها الأمنية والسياسية.

 

على أن ما يسعى “حزب الله” إلى ترسيخه في دروب العيش في تلك المناطق، أنه يمكن أن يكون هو ضمانة أمنية للعائدين في مواجهة بطش النظام، فـ”حزب الله” الذي غرق في دماء السوريين بات يدرك أهمية وجود حد أدنى من حاضنة سورية يحتاجها في مواجهة حملة الضغوط التي تطاوله من أكثر من اتجاه، ومرشحة للازدياد من طرفي النظام وروسيا.

 

فالنظام السوري الذي استفاد من دعم “حزب الله” ومن دعم إيران، لا يبدو أنه راغب في الحاضنة الإيرانية، قدر انهماكه في توفير الرضى الروسي، وهذا ما يفسر موقف السيد نصرالله من أنه لن يرد على إسرائيل من سوريا، حتى لو استهدف “حزب الله” في سوريا. الانكفاء نحو لبنان، يكشف أن مصالح النظام السوري هي في الالتزام بمقتضيات الأمن الاسرائيلي، الذي لا يتهاون حيال أي نشاط عسكري لـ”حزب الله” وايران على الأراضي السورية، يشتم منها استهداف اسرائيل.

 

تشدّد النظام السوري

 

بهذا المعنى يمكن اعتبار إسقاط الطائرة الإيرانية بسلاح سوري فوق سفوح جبل الشيخ السورية، عملية مقصودة وتعكس تشدد النظام السوري حيال أي نشاط ايراني قريب من حدود الجولان المحتل، وإن صحت هذه الواقعة التي لم ينفها أحد حتى اليوم، فذلك يدلل على أن ملف الحدود السورية مع لبنان ومع الجولان المحتل، بات ضبطها شرط من شروط وقف الهجمات الإسرائيلية ضد سوريا، والتي تزعج القيادة الروسية.

 

“حزب الله” الذي يدرك هذه الحقيقة، لا يزال يحاول، وهو يراقب نظام مصالح نظام الأسد وحسابات البقاء في السلطة، أن يفتح ثغرات في الجدار السوري، عبر بناء قنوات اتصال منفصلة عن النظام، وبعضها متصل بالمعارضة استعداداً لمرحلة قد لا تكون بعيدة، تحت عنوان تثبيت سلطة النظام على حساب إيران و”حزب الله” في المناطق التي لا تريد إسرائيل أو روسيا نفوذاً لـ”حزب الله” وإيران فيها… من وسط سوريا حتى حدود الجولان مروراً بالحدود مع لبنان.