فعل الضغط الفرنسي فعله الاقليمي في الاتجاهين السعودي والايراني فخرج لبنان من دائرة كباشهما المستعر، وان شكلا، لتنفجر الازمة يمنيا، ما قد يقلب الواقعَ السياسي والاستراتيجي الاقليمي رأسا على عقب، في الوقت الضائع الفاصل عن اعلان ادارة الرئيس دونالد ترامب لاستراتيجيتها الجديدة للأمن القومي، والتي تركز على ضرورة مواجهة عدد من الدول من ابرزها ايران،رغم الموقف المتقدم لوزير الخارجية الاميركية من الاتفاق النووي الدولي- الايراني.
وفيما نجحت الجهود في وضع الصيغة النهائية للبيان الذي غافلت حكومة «استعادة الثقة» الجميع بانعقادها، لتنطلق رحلة تطبيق مبدأ النأي بالنفس بصيغته اللبنانية الذي حفل المشهد السياسي في الأيام الماضية بالمواقف منه، في الوقت الذي تبدو فيه الانظار متجهة الى بعبدا وبيت الوسط لرصد تعاونهما في المرحلة المقبلة مع عودة الرئيس الحريري الى السراي، يبدو ان مؤتمر اصدقاء لبنان الذي سينعقد الجمعة في باريس بملياراته الاربع الموعودة فعلت فعلها، رغم اقرار الكثيرين بانها ستضاف الى ارقام الوعود السابقة، داعية الى انتظار السلوك السعودي ومقدار مساهمته في المؤتمر ليبنى عليه المقتضى.
اوساط متابعة لفتت الى انه في الوقت الذي يبدو فيه الوسط السياسي اللبناني مزهوا بما انجزه من تسوية «ذكية» خشبة خلاصها اللغة العربية المطاطة، بغض النظر عن مضمون وشكل البيان الذي توّج باجماع حكومي، فان ما صدر عن مجلس الوزراء استوجب نوعا من التعهدات او الضمانات وفرتها باريس، التي عملت على خط حارة حريك على خطين ،سياسي تولاه السفير الفرنسي برونو فوشيه في بيروت، و«امني» تولاه رئيس استخباراته في طهران، واحد ضباطه في حارة حريك عبر شخصية عامة مقربة من الحزب، فيما تكفل الرئيس شخصيا متابعة الاتصالات مع الملك السعودي وولي عهده.
واذا كانت الساحة اللبنانية التي حافظت على استقرارها ولم تشهد جديدا منذ قيام ازمة الاستقالة حتى انتهائها، شكلت بالنسبة الى الرياض وطهران مساحة اختبار لموقفي الولايات المتحدة واوروبا من هز الوضع في لبنان، فان مصادر دبلوماسية في بيروت قالت : نراقب الاتفاق الجديد بدقة ومراقبة.
مصادر مقربة من الثامن من آذار اشارت الى ان حزب الله حقق اكثر من هدف، الاول، افشال محاولة ضرب العلاقة بينه وبين المستقبل وما توصل اليه الحوار الثنائي لجهة تبريد الشارعين السني والشيعي، والثاني، تأمين التغطية الضرورية له عند اتخاذه قرار الانسحاب من سوريا، الثالث، انتزاع الورقة اللبنانية من يد المملكة التي تعتبر لبنان الساحة الاقوى للتحرك فيها، كاشفة انه يخطئ من يبني حساباته على ان الحزب وحده المعني بالناي بالنفس،اذ ان ذلك يطال كافة الافرقاء بما فيها تلك التي زارت وستزور العربية السعودية او غيرها من الدول.
وكشفت المعلومات ان موفدا قواتيا زار بيت الوسط مساء امس بعد اقرار صيغة الاتفاق النهائية بين الوزير باسيل والوزير علي حسن خليل ونادر الحريري، ليتسلم بيان الحكومة فيما خص الناي بالنفس من الرئيس الحريري مرفقا برسالة شفهية لرئيس حزب القوات اللبنانية.
بأقل من ساعة لاخراجه رسميا، واكثر من اسبوع من المشاورات المكوكية العابرة للقارات، وبضمانات اقليمية ودولية نُسجت خيوطها، خلص الثلاثاء الحكومي الى شكر رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة ورسائل مبطنة الى السعودية بنكهة «الانتصار الخجول» لعدم احراج الشيخ سعد، لتبدأ مرحلة جديدة لن تكون كسابقتها، مع تسجيل الرئاسة الاولى نقاط لصالحها على حساب الثالثة، التي فقدت جزءا كبيرا من مظلتها السعودية، معوضة بحماية من الام الحنون الى ان تظهر الوقائع والتطورات عكس ذلك.