أمر لافت، أن يركّز قادة «حزب الله» جلّ جهدهم البياني والتعبوي على تكرار مقولة أن الإجراءات السعودية الأخيرة هي تعويض عن «فشل» المملكة في اليمن وسوريا!
وحديث «الفشل» هذا هو عيّنة عن الأسلوب التعبوي الذي يعتمده الحزب في معظم قضاياه وحروبه السياسية.. والموجّه في أساسه الى جمهوره قبل أن يكون موجهاً الى الآخر المختلف أو الخصم أو العدو. وهذه وظيفة بدوام كامل! ولا تحتمل التقطيع ولا التعطيل ولا الغياب في أي ميعاد! ولا يهم «رأي» الآخرين بها وبفحواها. لا من قريب ولا من بعيد. بل المهم أن يُوصل التلقين المتكرر «الفكرة» المطلوبة الى ذلك الجمهور الخاص، بغضّ النظر عن غرابتها أو تناقضها مع الحقيقة، أو ابتعادها عن المنطق.
وذلك جهد، وَجَد قادة الحزب انه يحتاج الى تحفيز استثنائي، على مدى سنوات الحرب الأهلية الباردة التي فتحها اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكنه صار يحتاج الى ما هو أكثر من ذلك، بعد التورّط الدموي في سوريا، والأكلاف البشرية الباهظة التي دُفعت وتدفع هناك. ثم بعد الذهاب في مسيرة الغلوّ والشَّطط الى فتح جبهة فتنوية مع الإجماع العربي عموماً ومع السعودية خصوصاً، وبطريقة بائسة ولا تشتمل على أي تبرير منطقي واحد.. سوى الالتزام «الاستثنائي» بتوجيهات «المرشد» الإيراني وسياساته!
والمألوف، هو انه كلما ارتفعت أكلاف وتداعيات وتأثيرات ذلك الأداء، زادت وتيرة البيان «الداخلي»! وارتفعت مفرداته الى ذرى استثنائية إضافية. وأخذت في طريقها، (بطبيعة الحال) بديهيات كبرى وصغرى، وحقائق ملموسة وأخرى مطموسة.. مثلما احتاجت إلى الكثير الكثير من التجنّي والافتراء، اللذين يفترض بهما التغطية على ضمور الحجة وتبرير النزف، وصولاً الى جعل الأبيض أسودَ!
في ذلك السياق سُجّلت غرائب باعتبارها حقائق.. منها (مثلاً) أن رفيق الحريري انتحر! وان بشار الأسد كان على قاب قوسين من تحرير القدس قبل أن تلجمه «العصابات السورية»! (المليونية بالمناسبة) وان في سوريا مؤامرة وفي البحرين «ثورة»! وان هناك «قضية» في اليمن أعز وأغلى وأهم من «فلسطين»! وان السعودية تتعرض لـ»حزب الله» لأنها مفطورة على «العدوان» ولأنها لا تريد لأحد أن يدلّ على تفاصيل ارتكاباتها في اليمن أو سوريا أو عدوانها على «الأمة الإيرانية».. وعلى مشروعها الامبراطوري في فارس! وتدخلاتها الفتنوية في الداخل الايراني.. ثم لأنها «فشلت» في تحقيق أهدافها وخصوصاً في اليمن وسوريا!
اللافت في أمر هذه التعبئة، أن «حزب الله» يريد من الذين يتوجه إليهم أن يصدّقوا ما يذيعه ويكذبوا ما يرونه. وأن يقتنعوا بأن من فجّر قصة اليمن لم يكن الانقلاب الايراني، عبر الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وإنما «عاصفة الحزم». وان تلك العاصفة فشلت، بدليل وصول الانقلابيين الى «الداخل السعودي»! وان من فجر النكبة السورية، لم يكن بشار الأسد إنما «التآمر» الذي قادته السعودية بصواريخها ودباباتها وطيرانها الحربي وبراميلها المتفجرة وأجهزتها الأمنية القمعية وميليشياتها المذهبية التي جمعتها من كل صوب، وأرادت بها تخريب دولة الممانعة الأولى ومنعها من الزحف المقدس الى الأراضي المحتلة لتحريرها، وأنها تمكنت من تحريك ملايين السوريين من بيوتهم لخدمة أهدافها.. ثم «فشلت» في تحقيق تلك الأهداف! وللتغطية على «فشلها» المزدوج اليمني والسوري (خصوصاً)، ارتأت أن تفتح حرباً مع «حزب الله» وحده دون سواه، وهو من هو: «المقاوم» الذي لا يعرف أن يرمي غير الإسرائيليين، بوردة!
شيء من هذا الأداء «استعاره» بالأمس الجنرال قاسم سليماني الذي قال ببراءة صافية إن بلاده لم تفعل أي شيء ضد السعودية! وإنها لا تتدخل في الشؤون الخاصة لدول الجوار!
وإزاء هذا وذاك، يصير مفهوماً لماذا يركّز «حزب الله» على «فشل» السعودية طالما أن إيران «ناجحة» الى هذا الحد!