أحداث الزبداني الأخيرة فرضت على الأمين العام لـ»حزب الله« السيّد حسن نصرالله التفاوض مع من يصفهم بـ»التكفيريين». لماذا؟ لأن السيّد لم يشعر طوال سنوات الحرب انه تحت ضغط إلا عندما حاصر «جيش الفتح» قرية الفوعة الشيعية. أثبت السيّد يومها ان دماء أهالي الفوعة وكفريا أهم بكثير من دماء ملايين السوريين الذين تتساقط على رؤوسهم براميل وحاويات البارود. حتى ان نصرالله لم يهادن عسكرياً كرمى لعيون العلويين الذين اقتحمت المعارضة بعض قراهم في ريفَي حماة واللاذقية. لماذا؟ لأن العلويين ليسوا مثل أهالي الفوعة وكفريا ونبل والزهرا، الذين يشكّلون نواة قوة عسكرية عقائدية تُعرف بـ»حزب الله السوري»، الذراع الإيراني الخالص في سوريا.
هنا حمص. يدخل حسن (24 عاماً) على جاره محمد (17 عاماً) بينما كان الأخير ينهي فروضه المدرسية. يسحب حسن «محموله الذكي» من جيبه ليُري محمد صور وفيديوات حصاد أيام من تدريبات وجهاد جاره. الشابان ينتميان الى المذهب الشيعي. إلتحق حسن في صفوف ما يعرف بـ»حزب الله السوري» منذ شهور قليلة. غاب عن عامه الجامعي الأخير ووجد طريقه في الحياة: 100 دولار شهرياً إضافة الى قطعة سلاح حديثة وتدريبات على القتال لمواجهة «التكفيريين عملاء المشروع الصهيو- اميركي». زيارات حسن لمنزل جاره محمد في شارع العباسية في حمص تتكرر. الشابان ليسا صديقَي الطفولة. «صلة الرحم» بدأت منذ شهور قليلة، تحديداً حين انضم حسن الى «حزب الله السوري». محمد، الذي وصل الى لبنان منذ ايام قليلة هرباً من مصير حسن، يقول «إن جاره عمل جاهداً لإقناعه بوجوب الإنضمام الى حزب الله السوري، فالزمن زمن حرب وليس زمن دراسة»! المغريات كثيرة وكبيرة. هل يحلم شاب سوري في مقتبل العمر بأكثر من (100-200 دولار)، لا يحظى به كبار موظفي الدولة السورية، إضافة الى سلاح حربي وبزة عسكرية جديدة، ووعود بتأمين الزوجة والمنزل له بعد انتهاء الحرب؟
يروي محمد لـ»المستقبل» تفاصيل الايام القليلة التي امضاها في صفوف «حزب الله السوري» قبل ان يهربه والده الى لبنان. يقول الشاب، بينما كان ينفث سيجارته «السيدارز»، انه لبى دعوة حسن ورافقه الى احد معسكرات حزب الله في القصير. جميع المتواجدين هناك هم من الشيعة. يسأل محمد أحدهم عن السبب من عدم وجود اي من الطوائف والمذاهب والمكوّنات السورية الاخرى في المعسكر لمواجهة الارهاب صفاً واحداً، فيجيبه «جار السوء»، كما يصفه محمد، بأن «حزب الله السوري لا يسمح بانضمام غير الشيعة اليه، إلا انه، اي الحزب، سيواجه الارهاب صفاً واحداً مع جيش الدفاع الوطني، الذي يجمع عناصر من كافة المذاهب والطوائف«. هذا في الظاهر، اما في الخفاء فالحديث يأخذ منحى آخر. يقول محمد انه وفي احدى سهرات المعسكر، تحدّث شاب لبناني بـ»إستعلاء» عن الجيش السوري. هنا، يأخذ محمد «شفّة قهوة» و»مجّة سيجارة»، ويتابع حديثه وعلامات الامتعاض من الشوفينية اللبنانية ظاهرة على وجهه: «كيف يصف هذا عناصر جيشنا بـ»الجبناء» الذين يتركون أرض المعركة؟ كيف يقول هذا ان دخوله الى سوريا هو من حافظ على صمود النظام حتى اليوم؟«.
يوميات محمد القليلة في المعسكر، كانت تبدأ بصلاة الفجر وتنتهي بدروس سياسية ممجوجة بالفقه، حيث يتحدّث «القيادي اللبناني» عن حرب «الحسينيين» على «الارهابيين أتباع يزيد»! وما بين بداية النهار ونهايته، يذهب «شباب سوريا الغد»، كما يحلو لـ»القائد» تسميتهم، الى جولات تدريبية تمهيداً للانضمام الى «الاخوة» على الجبهات.
حان وقت عودة محمد الى منزل عائلته في زيارة لا تتعدى الـ48 ساعة. يستلم بطاقة انتسابه الى الحزب، والتي تسهّل مروره على الحواجز، وتصنع منه شبيحاً صغيرا في شوارع حمص، كما يقول، ويعود الى شارع العباسيين في حمص. والده بالانتظار. فوضى شوارع حمص «النظامية» لا تسمح لمحمد بالبقاء بين أهله، يهمس «أبو محمد» في أذن وحيده. وصل محمد الى منزله تزامناً مع حوادث ميليشيوية شهدتها شوارع المدينة. تخرج ميليشيا المعروف بـ»جعفر جعفر» من حي الزهراء لتخطف احدى فتيات آل «أبو اللبن» من حي الانشاءات. الهدف من الخطف هو المطالبة بفدية كبيرة من آل ابو اللبن البرجوازيين. «لا وجود للقانون في مناطق نفوذ النظام. الحكم الميليشيوي يعلو ولا يُعلى عليه»، يقول محمد.
ليس سراً ان القائد السابق في الحرس الثوري الايراني حسين همداني، والذي قُتل مؤخرا في حلب، قاد بنفسه عملية تشكيل «حزب الله السوري« بمعاونة قيادات من «حزب الله اللبناني». حتى ان موقع يوتيوب وصفحات التواصل الاجتماعي نشرت فيديوات تظهر اعترافات عناصر أسرهم الجيش الحر في المعارك، بانتمائهم الى «حزب الله السوري»، كانوا بمعظمهم من الفوعة وكفريا والنبل والزهراء.
احد الضباط السوريين ممّن انشقوا عن النظام وفرّوا الى لبنان، يقول لـ»المستقبل»، إن ايران «سعت منذ مدة الى تشكيل قوة عسكرية عقائدية على غرار حزب الله اللبناني، من عناصر شيعية سورية بالاضافة الى مقاتلين شيعة افغانيين وباكستانيين وعراقيين، منحهم النظام السوري الجنسية السورية والاوراق الثبوتية الرسمية«. وبرأي الضابط، فإن ايران «اطلقت مشروع بناء حزب الله السوري بعد ان فقدت الامل بإنهاء الثورة السورية والحفاظ على النظام مدة طويلة«. ويعتقد أن خطوة ايران هذه تأتي خشية ان يفرض المجتمع الدولي حلاً سياسياً على اساس «جينيف1» والذي ينص في احد بنوده على دعوة الميليشيات الاجنبية الى مغادرة سوريا. وعليه، شكّلت طهران ذراعاً عسكرياً شيعياً سورياً مهمّته الحفاظ على مصالحها في مرحلة ما بعد الاسد.
«حزب الله السوري»، ذراع ايراني عسكري عقائدي في سوريا، على غرار «حزب الله» اللبناني و»الحشد الشعبي» العراقي و»انصار الله» اليمني. تجربة ايرانية آيلة للسقوط في اي لحظة. فصعود «الحوثية السياسية- العسكرية» لفترة وجيزة في اليمن، جاء نتيجة تحالف المصلحة مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وقواته العسكرية، وسياسة المهادنة التي انتهجها الرئيس عبد ربه منصور هادي بداية. و»الحشد الشعبي» استثمر دعم الحكومة العراقية الموالية لطهران ليتمدد على البقعة العراقية. و«حزب الله اللبناني« شكل دويلته في زمن وصاية حليفه السوري، وما لبث ان سيطر على مفاصل الدولة وفرض الوصاية الايرانية بعد انسحاب الجيش السوري. اما استنساخ هذه التجارب في سوريا، فهو محكوم بالفشل لاعتبارات عديدة. فالديموغرافيا الشيعية الاثني عشرية لا تشكل وزنا شعبيا لنجاحها. ولا وجود لسلطة قادرة على حماية هذا الاستنساخ كما هو الحال في العراق. هذا فضلا عن العداء الذي كرسته حروب ايران المذهبية في المنطقة، ما يعطي السوريين اولوية مقاتلة هذا المشروع. «حزب الله السوري»؟ قد يكون مصيره شبيها بمصير مؤسّسه الجنرال الايراني حسين همداني.