كانت مثيرة للشفقة قائمة الأهداف التي حاول الإعلام القريب من «حزب الله»، تنسيبها للمفخخة التي أدت الى حرف الدورية الاسرائيلية عن مسارها بضع سنتيمترات، وخدشت جنديين، خدوش أحدهما ناتجة عن اصطدام أظافر يديه بوجهه، حتى إن بعض المعلّقين ذهب الى حد القول بأن الحزب يزين مفخخاته على جبهة الاسرائيلي بميزان من ذهب، بضع غرامات، بحيث لا تستدعي رداً بأكثر من بضع طلقات مدفعية في الفضاء اللبناني، ويمكن بنفس الوقت استثمارها عبر إعلامه.
توزعت قائمة الرسائل التي نسبها إعلام الممانعة لتلك المفخخة حتى كادت تغطي كل القضايا التي يشتبك معها الحزب وتلك التي لا علاقة له بها من بعيد أو قريب، فرسالة للتكفيريين وأخرى للاسرائيليين وثالثة للتحالف الدولي ضد داعش ورابعة لتركيا وخامسة لحلف 14 آذار وسادسة للثوار السوريين جنوب سورية، وسابعة للدول العربية الداعمة لهم، ولا ندري لما استثنى الحزب ثوار هونغ كونغ وأوكرانيا بل والنظام الدولي برمته وتغيير قواعده ونظم عمله، ما دام الامر على سخونته قبل ان يبرد وهج المفخخة!
وبعيداً من الإعلام وبهرجاته، ليس في بال «حزب الله» تعديل قواعد الاشتباك السائدة منذ نهاية حرب تموز، على العكس الحزب يبدو مرتاحاً ضمن هذه الوضعية ومتعايشاً معها إلى أبعد الحدود، ذلك أن إمكانات الحزب لا تسمح له لا في هذه اللحظة ولا حتى في المستقبل المنظور إمكانية تحقيق ذلك التعديل، الذي استقر كانعكاس لميزان القوة الجوي المائل لصالح إسرائيل، حتى إن الحزب يعتبر بقاء تلك القواعد على تلك الشاكلة انتصاراً له، بالرغم مما فيها من اشتراطات صعبة، وسبب ذلك إدراك الحزب أن أي تعديلات جديدة ستأتي بالويل عليه، خاصة وأن لبنان يفتقد في هذه المرحلة للقيادة التي كانت حاضرة في حرب 2006 واستطاعت بفضل ما لها من علاقات اقليمية ودولية مؤثرة إنقاذ الحزب من انهيار محقق.
التفسير المنطقي لحادثة المفخخة، ان الحزب في هذه المرحلة يصدر عن وضعية متوترة ناجمة عن إحباط قواعده من الانتكاسات التي يعانيها في سورية، والواضح أن حالة التوتر تلك قد أصابت الدائرة المختصة بصناعة القرار بالعمى والضلال، نتيجة الضغوط التي تقع تحت تأثيرها بشكل يومي، ليس فقط جراء الخسائر الكبيرة في العناصر بل ونتيجة التداعيات السلبية لهذه الحالة والتي باتت مفتوحة على أفق واسع لم يخطر ببال الحزب ولا صانعي القرار فيه تفتّقها دفعة واحدة في وجوههم، ولم يعتد الحزب في مراحل سابقة تحمّل نتائج تصرفاته، اعتاد أن يدمر والآخرون يبنون.
بات الحزب يدرك أنه وضع نفسه على سكة سلسلة احتمالات سيئة عديدة، علاجها، أو الخروج من دائرتها يتطلّب سياسات شجاعة لا يمتلكها الحزب، أو لا يقدر على مفاجأة بيته بها، في حين أن استمرار السير بها لن يفعل سوى تقريب تلك الاحتمالات السيئة من الواقع كثيراً، وانزالها من خانة الاحتمالات الى خانة الوقائع على الأرض، وحتى لو توقفت الحرب اليوم فإن العطب الذي أحدثته في جسد الحزب قد يحتاج إصلاحه سنوات طويلة قادمة.
آن للحزب أن يدرك أنه لن يحقق نتائج فارقة في حربه ضد السوريين، ولن يستطيع كسر ثورتهم، فما لم يستطع تحقيقه وهو بكامل زخمه لن يحققه بعد أن صارت قواه خائرة، وان الرسالة التي يريد حزب الله توجيهها بأنه يقاتل التكفيريين واسرائيل لم تعد مقنعة حتى لأكثر الناس التصاقاً به، فهو لم يقاتل في سورية إلا رضوخاً لإرادة إيران وفي سبيل إنقاذ وكيلها في دمشق، وهو بالكاد رفع الصوت حين كان الكيان الصهيوني يضرب غزة، تلك أساطير فكّكها سلوك الحزب نفسه وإعادة بنائها تبدو مستحيلة، الشعوب بسيطة ولكنها ليست ساذجة بالدرجة التي يتصورها حزب الله، بعد أن تكشّف كحزب عميل ومرتهن لإرادة ولي الفقيه والتي لم تعد عملية الحجر عليه بعيدة من الشعب الإيراني نفسه.
يدرك الحزب أن الرد الاسرائيلي لن يتجاوز الذي حصل، فهو لم يستفز إسرائيل ولم يجعلها تعتقد أن ما حصل يشكل خطورة كبيرة عليها، العملية لا تتجاوز خسائر ارتطام الدورية بصخرة في الجنوب، ولا يمكن أن تقدّرها بأكثر من ذلك، فهي لم تؤثّر على الردع الحاصل تجاه الحزب، وبالتالي فإن هذه الخطوة معروف سلفاً سقف تداعياتها ونتائجها.
على وقع المتفجرة الخفيفة الوزن والتأثير، أراد الحزب أن يصلح كل الأعطاب التي أصابت جسده وعقيدته القتالية وصورته، لو أن الحزب يدرك أن ما أفسدته السياسات الخاطئة لن تصلحه العبوات خفيفة الوزن لأراح نفسه ولبنان من كل وجع القلب، الخوف أن تكون المفخخة القادمة بالحزب نفسه.