Site icon IMLebanon

تهديدات «حزب الله».. «تُشعل» القطاع المصرفي

بعد عملية التفجير التي استهدفت مصرف «لبنان والمهجر» في منطقة فردان أوّل من أمس، كثرت التساؤلات حول الجهة المستفيدة من هذا الاستهداف والأهداف التي تقف وراءه خصوصاً أنه جاء في وقت تقوم فيه الخزانة الاميركية بتشديد الخناق على مصادر تمويل «حزب الله» المُتهم بتبييض الاموال بطرق متعددة غير شرعية كتجارة المخدرات بين أميركا الجنوبية وأوروبا، إمّا عن طريق أشخاص أو مؤسسات تعمل لحسابه، وهو الامر الذي استدعى مصرف لبنان إلى اتخاذ مجموعة قرارات قضت بالتشديد على حسابات تعود لمؤسسات تابعة للحزب مما خلق حالة استنفار داخل «حزب الله» ترافقت مع تهديدات بنسفه الوضعين الأمني والإقتصادي.

منذ فترة غير بعيدة، وضعت الخزانة الأميركية لوائح تضم 95 اسماً لمسؤولين سياسيين ورجال أعمال وشركات ومؤسسات تعتبرها واشنطن مرتبطة بـ»حزب الله» على رأسها السيد حسن نصر الله والمسؤول العسكري مصطفى بدر الدين الذي اعلن الحزب مقتله منذ اسابيع، بالإضافة إلى رجال أعمال ومؤسسات إعلامية تابعة له منها تلفزيون «المنار« وإذاعة «النور«، ليؤكد بعدها حاكم مصرف لبنان رياض سلامه أنه «لا يمكن الالتفاف على القانون الاميركي لان المراسيم التطبيقية شملت كل العملات بما فيها الليرة اللبنانية، وأن هذا القانون ليس مطبقاً فقط في لبنان إنما عالمياً«. وشدد يومها أن «على المصارف عدم القيام بعمليات ذات حجم كبير يمكن أن تكون لمصلحة الحزب ومُحملاً إيّاها مسؤولية قراراتها».

لم يُرد «حزب الله» يومها تفهّم حجم الأمر ولا حتّى التفكير بمصلحة لبنان كدولة ولا في مصلحة اللبنانيين، بل كان كل همّه تحييد مؤسساته وحماية مصالحه حتّى ولو أدى الأمر إلى إشعال الوضع، وهذا ما صدر بالفعل عن كتلة «حزب الله» النيابية التي ردّت يومها على سلامة بالقول: «إن التعاميم التي أصدرها أخيرا حاكم المصرف المركزي وفقاً للقانون الاميركي السيئ الذكر، هو انصياع غير مبرر لسلطات الانتداب الاميركي النقدي على بلادنا، ومن شأنها أن تزيد تفاقم الأزمة النقدية وتدفع البلاد نحو الافلاس بسبب ما سينتج من قطيعة واسعة بين اللبنانيين والمصارف، الأمر الذي يعرّض البلاد لانهيار نقدي خطير ولفوضى عارمة غير قابلة للإحتواء«.

بغض النظر عمّا إذا كان «حزب الله» هو من يقف وراء عملية إستهداف مصرف «لبنان والمهجر» أم لا، إلا أنه بكل تأكيد ساهم إلى حد كبير في إيصال الوضع إلى ما هو عليه اليوم، وهو الذي كان فتح «باب الإستهداف» من خلال المواقف والتهديدات التي يُثابر على إطلاقها، وأبرزها كان مطالبة نصر الله المصارف اللبنانية بـ»عدم الانصياع للعقوبات ومقاومة تطبيقها«. كما راحت قيادات في «حزب الله» تُطلق تهديداتها المُبطنة والمكشوفة على المنابر ضد كل من ينصاع للمطالب الأميركية، هذا مع العلم ان شخصية سياسية بارزة في قوى الثامن من آذار زارت الولايات المتحدة مؤخراً، كانت أعلنت أنه لا داعي لكل هذا التهديد والترهيب والتهويل المتبادل، لأن القرار ما زال محل أخذ ورد حتّى داخل أروقة الخزانة الأميركية.

حقبة التحريض التي قادها «حزب الله» وما زال يقودها ضد القطاع المصرفي والضغط عليه، تُرجمت بالأمس فعلاً لا قولاً فقط، رغم عدم وجود أدلة دامغة تُدينه بالوقوف وراء هذا العمل، لكن في الوقت عينه لا يُمكن التغاضي عن أن مواقفه وحملاته بالإضافة إلى ممارساته الخاطئة في الداخل والخارج، هي التي كشفت البلد أمنيّا وإقتصاديّاً، خصوصاً وأن الحزب يعلم جيّداً أن تحريضاته وتهويلاته وممارساته، لا بد وأن تترجم في مكان ما، فكان مصرف «لبنان والمهجر« أول المُستهدفين. كما أن الحزب، ومن خلال كل ما يمتلك من مقوّمات ومعلومات تخوله قراءة تداعيات خطاباته هذه، لا بد وأنه كان يعلم أن النتيجة ستكون على هذا النحو وربما أكبر وهذه مُصيبة بحد ذاتها. أمّا إذا كان لا يعلم، فهنا تكون المصيبة أكبر وقد تزداد وتتفاقم لتطال في وقت لاحق مؤسسات اخرى مصرفية أو غير مصرفية.

وفي السياق ترى مصادر مطلعة على الوضع الاقتصادي ككل، أن تهديدات «حزب الله» للمصارف، لا يُمكن أن تجد آذاناً صاغية خصوصاً وأن المجتمع الدولي ماض في سياسته المصرفية ليس تجاه الحزب وحده، إنما تجاه جميع الأفراد والتنظيمات المشكوك بوضعها المالي. كما أن المصارف العالمية، وتحديداً اللبنانية، تعرف جيّداً تداعيات وكلفة تجاهل نظام العقوبات عليها خصوصاً وأن وضع القطاع المصرفي في لبنان اليوم، يُعتبر في أعلى وأهم مراحله، على الرغم من محاولات البعض العودة به إلى زمن إشهار الإفلاسات داخل المصارف وانهيارها، وهذا الأمر يُسمى «تبييض الأموال»، تعتمده منظمات إرهابية كحركة طالبان و»داعش» ويجري التعامل به في كل من ايران والعراق وسوريا.

بعد محاولاته المتكررة لضرب الإستقرار الأمني والسياسي والإجتماعي في البلد، يستعيد «حزب الله« اليوم الاسلوب نفسه، لكن هذه المرّة من البوّابة الاقتصادية، وتحديداً من «بوابة» المصارف التي تعتبر إحدى اهم وآخر المؤسسات الحيادية المعنيّة بالوضع النقدي واستقراره، والتي ما زالت بمنأى نوعاً ما عن التهويلات والضغوط السياسية التي يُمارسها الحزب وحلفاؤه لتحقيق مكاسب خاصّة، وذلك بعدما صوّب سهامه الى «القطاع» وحوّله إلى «كتلة ملتهبة» عن طريق التحريض والإتهام بالعمل لصالح «الشيطان الاكبر».

للتذكير فقط، فقبل أيام قليلة من التفجير أول من أمس إستعادت كتلة «حزب الله» النيابية نغمة التهديد والوعيد بحق «مصرف لبنان» وحاكمه والحكومة اللبنانية وذلك من خلال الإشارة إلى أن «استهداف الادارة الاميركية للمقاومة وجمهورها عبر القطاع المصرفي اللبناني سيبوء بالفشل ولن ينجح في تحقيق أهدافه، وأن الحكومة والمصرف المركزي معنيان مباشرة بحماية سيادة لبنان واستقراره النقدي والاجتماعي«، فجاء التفجير أوّل من أمس، كرد واضح على السياسة التي يقوم او يلتزم بها القطاع المصرفي تجاه كل ما من شأنه أن يُعرّض سلامة هذا القطاع للمُساءلة أو وضعه في دائرة الإتهام أو حتّى تغطيته أو حمايته لعمليات غير مشروعة منها تجارة المخدرات او تجارة الأسلحة.