خلال الساعات القليلة المقبلة، من المفترض أن يكشف رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل للرأي العام عن آخر مشروع انتخابي تقدّم به للخروج من الأزمة الحاصلة. وباسيل الذي كان أطلع القوى والأحزاب السياسية على مشروعه خلال اليومين الماضيين لمَس ردوداً أوّلية سلبيّة، ما يجعل مصير المشروع المطروح مشابهاً للمشاريع السابقة.
تيار «المستقبل» سيبلغ الى باسيل تحفظاته الكثيرة، وبالتالي رفضه الصريح. النائب وليد جنبلاط سيكون موقفه مشابهاً لـ«المستقبل»، و«حزب الله» أيضاً سيعلن معارضته هذه الصيغة.
ولكنّ النقطة الأهم أنّ «حزب الله» الذي بقي جالساً طوال الأسابيع الماضية في المقاعد الخلفية في انتظار جلاء الصورة، يبدو أنّه قرّر التقدم الى الأمام والانخراط مباشرة في الجدل الانتخابي الحاصل، ذلك أنّ الوقت بات ضاغطاً واللعبة باتت خطرة.
وفي موقفه الرافض سيرتكز «حزب الله» على قاعدتين أساسيّتين:
الأولى، أنه متمسّك بنحو ثابت ونهائي بصيغة انتخابية تعكس التمثيل الجدي والحقيقي له ولحلفائه من مختلف الطوائف، وهو ما لا يراه سوى في النسبية الكاملة، ما يعني أنه معارض أيّ طرح آخر.
والثانية، تمسّكه الكامل بضرورة اجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها أو بتأخير تقني لا يتجاوز الشهرين او الثلاثة، ما يعني أنّ أيلول يشكل خطاً أحمر زمنياً ممنوعاً تجاوزه.
وهذا الموقف الواضح والحاسم لـ»حزب الله» يخفي مخاوف بدأت تنتاب قيادته حول أنّ ما يجري على مستوى تبادل المشاريع الانتخابية والجدل العقيم الدائر، إنما يخفي وجود نيات معلبة لتأجيل الانتخابات سنة اضافية على الاقل، وهو ما كان قد طلبه نادر الحريري خلال المفاوضات التي مهّدت للموافقة على خيار ميشال عون رئيساً للجمهورية، على ما تقول مصادر «حزب الله».
وما يُطرح في الكواليس حول القبول بالنسبية في مقابل انشاء مجلس للشيوخ لكن مع فتح جدل حول مذهب رئيس مجلس الشيوخ، أو القبول بمشروع الوزير مروان شربل الذي اعتمدته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وذلك في مقابل القبول بالتمديد لمجلس النواب الحالي لـ18 شهراً اضافياً، فإنّ كل ذلك يعني أنّ الهدف هو إغراق النقاش بالمشاريع وإحداث تضارب في الآراء لتطيير الانتخابات وجعل التمديد الثالث لمجلس النواب أمراً واقعاً وحتمياً، ما سيدفع إلى المفاضلة بين التمديد وإجراء الانتخابات وفق القانون المعمول به حالياً.
وحول هذه النقطة، هناك مَن يقرأ في خبايا الكواليس. فالبعض يهمس بأنّ وصية الموفد السعودي الوزير ثامر السبهان لتيار «المستقبل» لدى زيارته لبنان كانت «الأهم أن لا تخسروا الغالبية النيابية».
وفي الكواليس ايضاً أنّ بعض الوسطاء جاء طارحاً على «حزب الله» تسويات تسمح بإجراء الانتخابات وفق القانون الحالي لتجنّب التمديد لمجلس النواب. وفحوى هذا الكلام أنّ «السيولة الانتخابية» غير متوافرة في هذه المرحلة لدى الفريقين، واحد بسبب الظروف الاقتصادية والثاني بسبب متطلبات الحرب في سوريا، فلنتفق لتقطيع المرحلة بأقلّ الاضرار الممكنة.
أي انجاز الانتخابات وفق القانون الحالي معدَّلاً لإرضاء المسيحيين ومرفقاً بتفاهمات تشكل ضماناً للفريقين السنّي والشيعي، بما معناه إبقاء ملف وجود «حزب الله» في سوريا على الرف، وترتيب الوضع الداخلي وفق مبدأ المساكنة القائم منذ فترة ليست بقصيرة.
لكنّ «حزب الله» يبدو مصرّاً على عدم تسويف المهل وعدم تجاوز ايلول كآخر مهلة لحصول الانتخابات أيّاً كانت الاعتبارات. ويقول الحزب إنه متفق مع رئيس الجمهورية على حتمية إجراء الانتخابات هذا الصيف أيّاً تكن الاعتبارات أو الظروف.
وفي كلام الكواليس الذي حمله الوسطاء أنّ الحديث عن تعديل توازنات المجلس النيابي للتأثير في الانتخابات الرئاسية المقبلة إذا فرضت الظروف ذلك، هو كلام مبسط وغير ناجح. ذلك أنّ رئيس الجمهورية يولد من رحم التوازنات الاقليمية وليس من توازنات المجلس النيابي، بدليل وصول العماد ميشال عون الذي لا يحظى فريقه بالغالبية النيابية والذي لم يصل الى قصر بعبدا إلّا بعد استقرار الساحة السورية على رابح وخاسر.
وفي الكواليس أيضاً، بداية نقاش حول التعديلات التي ستُصيب القانون الحالي، لناحية تعديل بعض الدوائر (الشوف وعاليه) ودمج جبيل بكسروان وتوسيع دائرة الأشرفية بضم المدور اليها الخ… لكنّ هذه الافكار لا تزال في بدايتها.
وسط هذه الحسابات، ظهر التناقض والتعارض في الحسابات بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» انطلاقاً من دائرة البترون الشديدة الحساسية.
وفيما كان باسيل يرسل إشارات القلق حيال طريقة خوض انتخابات البترون، مرة بالدعوة إلى أخذ مرشح من تنورين ومرة أُخرى بالإشارة الى أن لا أحد قادراً على إمساكه من خلال المقعد النيابي، جاءت رسالة سمير جعجع عمليّةً وأكثر حدّة، مع ترشيح فادي سعد من الوسط، والاهم ما قاله بعيداً من الكاميرا بعد الترشيح وتعمّد تسريبه لاحقاً.
ولم يكن هذا الاهتزاز هو الأول، ولو أنه كان الاكثر وضوحاً والأشد وقعاً. فالأسابيع الماضية كانت حافلة بالنقاط الخلافية، وعندما وضع جعجع ملف الكهرباء على الطاولة بتفاهم وتنسيق كاملين مع الرئيس سعد الحريري، ترجمة لصورة دخولهما بيدين متماسكتين في احتفال 14 شباط، كان الهدف الضغط على اندفاع الرئيس ميشال عون في ملف التعيينات.
والحقيقة أنّ جعجع يدرك سلفاً أنّ حصته في ملف التعيينات ستكون متواضعة وهو عبّر عن استيائه من ذلك لزواره. وعندما فجّر قنبلة الكهرباء، كان ملف التعيينات شبهَ منجز وفي طريقه الى الإقرار، وحصة «القوات» كانت بتعيين واحد يتيم، وهو غراسيا القزي، أبدى جعجع اعتراضه لعون عبر القنوات التقليدية المفتوحة وجاءه الجواب أنّ هذه هي حصة رئيس الجمهورية وهي تعيينات كبيرة على مستوى الدولة ولا علاقة للأفرقاء السياسيين بها ولا يجوز إدخال هذا العرف.
ومع انزعاج الحريري وجعجع، ظهر ملف الكهرباء ليزور بعدها وزير الطاقة سيزار ابي خليل جعجع في معراب بعيداً من الإعلام في حضور وزير الصحة غسان حاصباني، حيث سمع إصرار جعجع على دخول ملف الكهرباء انطلاقاً من وضع رؤية اصلاحية للخطة القائمة.
طبعاً اللقاء لم تكن نتائجه مريحة، وفيما استمر جعجع في الشكوى من عدم التنسيق معه في ملف التعيينات، جاءت رسائل البترون الفجّة. فهناك مَن يشتمّ قطبة مخفية ما بترشيح «قواتي» من الوسط وترك الثقل الانتخابي للجرد، ما سيُضعف اللائحة ويفتح أبواب الخسارة وسط توجّس البعض من أن يكون ذلك مقصوداً لشطب باسيل من لائحة المرشحين الى رئاسة الجمهورية، ثمّ سقوطه للمرة الثالثة في دائرته.
وفي الاتصال الهاتفي الذي حصل بين باسيل وجعجع بعد ظهر السبت الماضي، قال الاخير إنّ اختيار المرشح له علاقة بحسابات داخلية صرف وأن لا ضرورة لكلّ هذا التوجّس الحاصل.
وفيما بدا أنّ اهتزاز البترون آيل الى «الضبضبة»، وأن لا افق جدّياً لمواجهة فعلية بين الفريقين، تحدثت مصادر أُخرى حليفة لـ«التيار الوطني الحر» عن أنّ المسألة برمّتها أبعد بكثير من حدود النزاع الضيق.
وحسب هذه المصادر فإنّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير تحدث خلال زيارته بغداد عن حرب مقبلة ستقوم بها واشنطن وتل أبيب ضد إيران و«حزب الله»، وأنّ هذا الجوّ يظلّل خلفية وحسابات كلّ الملفات المطروحة في لبنان، بدءاً من السعي الى تأجيل الانتخابات أو في إطار إجراء فرز جديد للاصطفافات الداخلية.