وفي الأيام الأخيرة من شهرها السابع تولد الحكومة، مع كمّ من إدعاءات بانتصارات وهمية باستثناء نجاح الفريق الشيعي وحلفائه في كسب وزير سنّي، وإن كلّف الأمر تهشُّم صورة «اللقاء التشاوري»!
منذ الإطلالة الأخيرة للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله لمناسبة «يوم الشهيد» في 10 تشرين الثاني الفائت، لم يتوقّع أحد من المعنيين المباشرين بتأليف الحكومة، أن تكون النتيجة العملية لـ«الوقت الإضافي» الذي استغرقته المفاوضات في شأن العقدة السنّية مغايرة لما حَصل فعلاً، بغض النظر عن إسم الوزير السنّي السادس وعن الإخراج «الشكلي» الضعيف لنهاية «الفيلم اللبناني الطويل».
وبدا بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» أمس ليس فقط تتويجاً للتسوية، إنما تأكيداً، وفق ما ورد فيه، لـ«إنجاز حكومة الوفاق الوطني التي يشارك فيها كل من له الحق في التمثيل، بمن فيهم النواب السنّة المستقلون، الذين نجحوا في تحقيق مطلبهم إنتزاع إقرار بحقهم في حجز مقعد وزاري لهم وبإسمهم».
باختصار شديد، وبعيداً من كل الغبار الذي أحاط المفاوضات حول تمثيل «اللقاء التشاوري» يمكن الخروج بخلاصات، هي عبارة عن وقائع باتت ثابتة بالأدلة القاطعة:
ـ أولاً، لم يكن وارداً لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا الرئيس المكلّف سعد الحريري، ولا «حزب الله»، صدور مراسيم حكومة تتضمّن 11 وزيراً بـ«أمرة» الوزير جبران باسيل، قبل أن يكونوا بأمرة رئيس الجمهورية، بغض النظر عن المفاعيل المفترضة لـ«ثلث معطل» تملك القوى السياسية الأخرى، ما يوازيه من قدرة فرض وتعطيل من خلال ورقة «الميثاقية».
ـ ثانياً، يدخل الثنائي الشيعي الحكومة، في المضمون وليس في الشكل، بسبعة وزراء وليس ستة. فالوزير، الذي منحه «حزب الله» بطاقة المرور الى السراي الحكومي بالتكافل والتضامن مع بري وموافقة عون والحريري، هو من حصّة رئيس الجمهورية، وسيتصرّف على هذا الأساس، لكن «عند الجدّ» عنوانه واضح.
تمّ ذلك أولاً على حساب الرغبة الشخصية لأعضاء «اللقاء التشاوري» في أن يكون أحدهم وزيراً في الحكومة المقبلة وعلى حساب الحصّة الرئاسية التي خسرت وزيراً سنّياً «صافياً» يصبّ حصراً في بعبدا.
وهذا ما يفسّر تخصيص «حزب الله» طوال يوم أمس، من خلال الحاج حسين خليل المعاون السياسي للسيد نصرالله، لمحاولات إحتواء «زعل» حلفائه وحَردهم مما اعتبروه «خطوة ملتوية» لتعيين جواد عدرا وزيراً في الحكومة المقبلة.
ـ ثالثاً، انّ السيد نصرالله، الذي سبق له أن أكّد عند بروز مطلب سُنّة 8 آذار، أنّ «هذا ليس حجمنا النيابي كـ «حركة أمل» و»حزب الله» ولا حجمنا الانتخابي ولا حجمنا السياسي ولا حجم أصواتنا التفضيلية» (في الحكومة التي كانت في صدد التشكيل)، حسّن نسبة تمثيل هذا الفريق بعد إعلانه شخصياً في تشرين الثاني الفائت «أنّ الـ30 نائباً («أمل» و»حزب الله») يساوون 10 وزراء، وإذا أردنا التنازل ننزل الى 8 وليس 6»!.
مصدر وزاري محسوب على الفريق الشيعي في الحكومة يصوّب البوصلة أكثر «حين يطلب «حزب الله» المساندة داخل الحكومة ألن يجد أيضاً «الطاشناق» والنائب طلال إرسلان الى جانبه؟!».
جواد عدرا، هو ممثل «اللقاء التشاوري» في «حكومة الوحدة الوطنية». هكذا يُفترض، وهذا ما طلبه أعضاء «اللقاء» حين اجتمعوا مع اللواء عباس ابراهيم في منزل النائب عبد الرحيم مراد، بعدما سلّموا باستحالة توزير واحد منهم، وقبل أن «يُبلّغوا» بإسم الوزير العتيد.
في ذاك اللقاء، الذي شكّل إمتداداً للمبادرة الرئاسية التي وضع اللواء جميل السيد «حزب الله» في أجواء بنودها، والقائمة على القبول بتوزير شخصية من خارج «اللقاء» من ضمن حصّة الرئيس، تبيّن أنّ جهاد الصمد وفيصل كرامي لم يتبلّغا بضرورة إيداع اللواء ابراهيم أسماء مرشّحة للتوزير من جانبهما.
تمّ الاتصال هاتفياً بكرامي الموجود في لندن وأبلغهم بقدومه يوم الجمعة وزكّى في الوقت نفسه إسم مستشاره عثمان مجذوب، فيما آثر النائب قاسم هاشم تسليم ابراهيم ورقة، فضّل الأخير عدم الاعلان عن مضمونها قبل لقائه رئيس الجمهورية، وقد بلغت تمنيات أحد الأعضاء الحاضرين، أن يُصدر الوزير الذي سيتمّ إختياره بياناً صريحاً بإلتزامه توجهات «اللقاء التشاوري».
النقمة على هاشم، وعلى طابخي التسوية، لا تزال قائمة في الكواليس المغلقة. لكن قيادات الحزب ساهمت بمقدار كبير في منع بقعة زيت الخلاف الداخلي من التفشّي وإفساد التسوية التي باتت مطلباً ملحاً لـ«حزب الله».
عملياً، لا معرفة شخصية تجمع بين هاشم إبن شبعا وبين عدرا إبن كفريا في الكورة. طُلِب من هاشم وضع إسم عدرا وهكذا كان. المدير العام لشركة «الدولية للمعلومات» مواليد عام 1954 تربّى في «بيت قومي»، حيث أنّ والده نديم عدرا كان ينتمي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي، لكن خلال الحرب غادر الى أبو ظبي وأنشأ «صحيفة الخليج». تابع جواد عدرا دروسه في الولايات المتحدة الاميركية وهو خرّيج جامعة «سانتا كلارا» في كاليفورنيا عام 1972 في العلوم السياسية والاقتصادية. عمل في أكثر من دولة خليجية في مجال المقاولات وعاد الى لبنان عام 1993.
عام 1996 أنشأ «الدولية للمعلومات» التي تُصدر مجلة «الشهرية» وأبحاثاً ودراسات وإستطلاعات رأي. وهو عضو مجلس إدارة في «ليبنك» (بنك للاستثمارات) يضمّ مجموعة من المتموّلين، ورئيس «جمعية الإنماء في الأرياف».
عدرا هو جار الرئيس سعد الحريري وقريب منه، حيث تطلّ شقته على «بيت الوسط»، ويخضع دخوله وخروجه الى هذا «المربّع الأمني» للاجراءات نفسها التي تطاول سكان «المنطقة المعزولة» أمنياً. صديق حميم لبري ووزير الداخلية نهاد المشنوق، وهو قريب ايضاً من النائب فيصل كرامي بحكم العلاقة القوية التي كانت تجمعه بالراحل عمر كرامي، كما تربطه علاقة جيدة بعون قبل إنتخابه رئيساً للجمهورية والوزير جبران باسيل ولديه شبكة علاقات متينة مع عدد من السياسيين بحكم طبيعة عمله.
عارفوه يشدّدون على « شفافيته ونزاهته وبروفيله المستقلّ، الأمر الذي أتاح له هذه المروحة الواسعة من العلاقات، ولذلك يصعب أن يُصنّف في خانة أحد».
مع ذلك يوضح هؤلاء، «الاتفاق حصل على أن يكون عدرا ممثلاً لـ«اللقاء التشاوري» في الحكومة، لكن في الوقت نفسه هو من حصّة رئيس الجمهورية وبالتالي التنسيق واجب معه»، مشيرين الى أنّ «طبيعة تشكيل الحكومة وتوازناتها تجعل من الصعب أن تكون الأمور فيها «واقفة» على صوت وزير واحد. فجواد عدرا ليس عدنان السيد حسين، لأنّ تحالف الأكثريات هو الذي سيحكم».
الكاتب والباحث ورجل الأعمال والمولع بعلِم الآثار، بدا نقطة تقاطع لأكثر من طرف خصوصاً، بعدما إصطدمت مساعي الحلحلة الأولى برفض مُطلق من جانب عون بأن يكون وزير «التشاوري» من حصّة بعبدا على قاعدة «لا الأصلي ولا البديل».
وبين وجهة النظر القائلة بأنّ عدرا سيكون ممثلاً فعلياً لـ «التشاوري»، وإستطراداً يتحرّك بإيعاز من الفريق الشيعي ويصبّ صوته لمصلحته، فإن فريقاً آخر من المحسوبين على 8 آذار أيضاً يشير الى أنّ رئيس الجمهورية قد لا يتقبّل وجود «وديعة» لـ «أمل» و«حزب الله» ضمن حصّته، و»بأنّ العبرة في الممارسة». مؤكّدين في الوقت نفسه بأنّ «الحزب» لم يضح أبداً بحلفائه بل بقي الى جانبهم حتى اللحظة الأخيرة».