لم تعد الحرب التي يخوضها «حزب الله» في سوريا، محددة ببقعة، بلدة كانت أو محافظة، فكل الأرض السورية أصبحت مسرحاً لتدخله العبثي دعماً للنظام «البعثي» ومعه تحوّل سقوط عناصره إلى خبر يومي، يمر بشكل اعتيادي على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد، وكأن نذور أهالي هؤلاء الشُبّان لأبنائهم في الصغر، لا توفى إلّا بموتهم ورحيلهم عن هذه الدنيا، خدمة لنظام بشّار الأسد وحماية مصالح «الأسياد».
لم يعد البحث في أرقام أو عدد عناصر «حزب الله» الذين يسقطون في سوريا، يُجدي نفعاً ولا منفعة ولم يعد له تأثير كبير داخل قيادة حزب لا تريد أن تعترف بهزيمتها أمام شعب هو الآخر قرّر الموت، لكن بطريقة اختارها هو بنفسه ولم تُفرض عليه لا من الأسياد ولا من خارج البلاد. سقوط عناصر الحزب في ارتفاع مُستمر وتبدّل دائم بين لحظة وأخرى. معضلة غاية في الصعوبة تعجز عن حلّها القيادة على خطي بيروت ـ سوريا والعكس، وما يصعب على هذه القيادة اخفاءه، تتكفّل به مواقع حلفاء الحزب الإخبارية وبقيّة عناصره الذين تحوّلوا هم ايضاً إلى مصدر مؤكد يمكن الركون اليه في عمليّة الكشف عن الأسماء بالإضافة إلى أسماء بلداتهم وعناوين سكنهم.
بالأمس تسرّبت معلومات صحافية تحدثت عن سقوط عشرين عنصراً من «حزب الله» في سوريا وتحديداً في منطقة الدوّة غربي مدينة تدمر، وأكدت أن أسماء هؤلاء العناصر موثقة وترافقت المعلومات هذه، مع تسريبات تؤكد قيام الحزب بحشد عناصره في عدد من المناطق الخاضعة لسلطته، تمهيدا لنقلهم إلى سوريا بهدف تغطية الفراغ الذي قد يولّده الإنسحاب الروسي من بعض القواعد العسكرية وتحديداً من ريفي حلب وإدلب ومحيط العاصمة دمشق. كما تردد عن حالة تعميم أصدرتها قيادة الحزب الى جميع عناصرها المتواجدين على الأراضي السوريّة، بضرورة التنبّه من عناصر النظام نظراً لإختراقهم من قبل المعارضة السورية عن طريق المال.
كل هذه الأمور تشي بأن «حزب الله» مُقبل على فترة ضبابيّة من الصعب فيها أن يتمكّن من تحديد الأرض التي يقف عليها أو حمايتها أو على الأقل تخفيف النزف البشري الذي يُلاحقه منذ دخوله الميدان السوري، وهنا تؤكد بعض المصادر أن الحزب يتوقع سقوط المزيد من عناصره في سوريا خلال الفترة المقبلة، نظراً لحالة التفلّت والتخبط التي ستنجم عن إنسحاب القوّات الروسيّة من عدد من المدن الإستراتيجية، وقد بدأ هذا القلق يُخيّم على بيئة الحزب وجمهوره في لبنان وعلى حلفائه أيضاً خشية استعادة الفصائل السورية المسلحة، فرض سيطرتها على الميدان، وفعلاً هذا ما ظهر خلال اليومين المنصرمين حيث تمكنت المعارضة من توجيه ضربات قاسية للحزب والنظام طالت أيضاً بعض الجنود الروس في وقت كان يحتفل الشعب السوري، بالذكرى الخامسة لثورته.
يترك حجم سقوط عناصر «حزب الله« المتزايد يوما بعد يوم جوانب كثيرة معقدة في صفوف قاعدته الشعبية التي من الواضح أنّها تتأثّر بشكل كبير بحجم الخسائر التي تردها على الدوام والتي غالباً ما تكون من أبناء أو أشقّاء أو أقرباء منضوين في صفوف الحزب في سوريا. تحار هذه القاعدة في صمت قيادة الحزب عن المعلومات التي تتحدث عن حجم هذه الخسائر والتي تدّعي بأنها «ملفقة«، وتُعبّر هذه القاعدة داخل الاحتفالات الخاصة وتحديداً في القرى، عن مدى إنزعاجها من الأرقام الخيالية التي وصلت اليها خسائر الحزب البشرية والتي قيل أنها فاقت الألفي عنصر معظمهم إمّا قادة من الصف الثاني في «المقاومة»، وإمّا صغار السن ما دون السادسة عشرة.
إستفسارات لا تنقطع حول وضع «حزب الله« في سوريا من أهالي العناصر والجمهور، تحوّلت إلى هاجس يومي ضمن مناطقه في لبنان. في سوريا فُقد عامل الثقة بين عناصره بعدما تحوّل كل عنصر إلى قيادي يُريد اصدار الأوامر وهذا ما تُظهره مواقع «اليوتيوب» بين الحين والآخر، والغريب انه لدى استيضاح قيادة الحزب المسؤولين العسكريين في الحزب حول هذه الأمور، تكون الإجابة بأنهم مفروزون حديثاً إلى تلك المناطق وبالتالي لا يعرفون تضاريسها وبأنه يلزمهم مزيد من الوقت للتأقلم مع الحالة الجديدة. هذا كلّه يقابله أهالي العناصر والجمهور، بمزيد من الأسى والترحّم على انتصارات ولّت إلى حيث لا رجعة وبمزيد من الأمل بعودة بقيّة أبنائهم من رحلة لم تحمل على متنها، سوى الموت وحرقة في القلوب.