«حزب الله» يقلب الطاولة في لحظة الحقيقة: أين الحلفاء؟
بانتظار نتائج القنوات الخلفية للتفاوض بين الولايات المتحدة وإيران حول نفوذ الأخيرة وصواريخها
النواب السنّة من 8 آذار «سرايا مقاومة سياسية» مناوئة للحريرية السياسية والمخرج المطروح يحقق أكثر من هدف
ليس سهلاً على «حزب الله» أن يرى نفسه وحيداً في الداخل عند كل محطة مفصلية له. يظن أنه نجح في نسج حلفاء أقوياء معه في خياراته الاستراتيجية ومشروعه السياسي، ويظن أنه دجّن الخصوم، فإذا به يصطدم بواقع مُغاير، وكأن الزمن يُعيد نفسه لما كان مشابهاً في حقبة الوصاية السورية. هذا يُفسّر في جانب كبير منه خروج الأمين العام لـ «حزب الله» عن طوره في إطلالته الأخيرة، حيث توجّه إلى الجميع ليس فقط بلغة استعلائية وفوقية بل ترهيبية، حين خاطبهم بصيغة الأمر: «اسمعو يا لبنانيين، ويا رؤساء ووزراء وبطاركة ومفتين ومشايخ ومطارنة…»، بمعنى أنه لم يُبقِ أحداً خارج دائرة المخاطبة.
شمل كلام الترهيب والتهديد الجميع. أولئك الذين تجرّأوا على قول كلام كبير، مثل مجلس المفتين برئاسة مفتي الجمهورية، الذي تحدث عن «أيادٍ خبيثة تحاول عرقلة جهود الرئيس المُكلف لابتزازه سياسياً»، أو كلام البطريرك الماروني مِن أمام قصر بعبدا بأن «الكل يعرف مَن هو المُعطل، ورئيس الجمهورية لن يَقبَل بتعثر مسيرة الحكومة، وعلينا أن ندعمه والرئيس المُكلّف».
ومع مواقف المرجعيتين الدينيتين، السنية والمارونية، كان هناك الكلام الواضح والجليّ لرئيس الجمهورية خلال حديثه التلفزيوني – وهو الحليف الاستراتيجي المُفترَض لـ «حزب الله» – الذي أشار فيه إلى أن «النواب السنّة الستة أفراد وينتمون إلى كتل أخرى وليسوا كتلة واحدة تنطبق عليها معايير التأليف»، في رسالة مباشرة ومُحرجة لـ «سيّد حارة حريك». وتصاعَدَ موقف الرئيس المُكلّف من أنه لا يقبل بتوزير سنيّ من «8 آذار» من حصته، إلى أنه لا يقبل أن يُوقّع مرسوماً فيه وزير سني يُمثل «8 آذار»، في خطوة أراد منها أن يدعم رئيس الجمهورية الذي يرفض مبدأ «الوزير الملك» أو «الوزير الوديعة» ضمن حصته التي ظن أنه حصل بموجبها على «الثلث المعطل» قبل بروز عقدة سنّة «8 آذار».
ولم ينزل كلام الزعيم الدرزي وليد جنبلاط برداً وسلاماً على نصر الله الذي يُدرك أن الرجل أوّل من يلتقط الإشارات عند التحوّلات الكبرى، ولا يستسيغ «حزب الله» التصويب المباشر عليه وعلى إيران عموماً، فكيف إذا جاء في لحظة المواجهة المفتوحة على مصراعيها مع أميركا؟
في المحصلة، ذهب نصر الله إلى «قلب الطاولة» على الجميع. في لحظة الحقيقة، وجد أن لا حلفاء حقيقيين له ولمشروعه على المستوى الاستراتيجي. لن تتبارى القوى السياسية، خارج عباءته، في إعلان دعمها لطهران، ولن تذهب إلى رفع لواء مواجهة الولايات المتحدة كرمى لعيون إيران. والقبول بتسلّم «حزب الله» حقيبة الصحة والذي سيُعرّض هذه الوزارة لعقوبات له اعتباراته الداخلية، وإذا كان الرئيس المُكلّف تعامل مع الموضوع على قاعدة «فليتحمّل الحزب التداعيات»، فإن تلك «القاعدة» لا يمكن لها أن تنسحب على ملفات أخرى.
يقول لصيقون بـ «حزب الله» أن خطاب نصر الله محطة فاصلة، وما بعده ليس كما قبله. أرسل الرسالة في الاتجاهات المتعددة داخلياً. يُريد من الآخرين أن يتعاملوا مع سنة «8 آذار» باحترام، فهؤلاء «سرايا مقاومة سياسية»، مكمّلة لـ «سرايا المقاومة العسكرية»، من الحلفاء الخالصين لإيران ونظام الأسد ولا يشبهون النسيج السياسي والاجتماعي للطيف السنيّ في لبنان. وإذا كان من هدف لقانون الانتخاب النسبي الذي فرضه «الحزب»، فهو إيصال هؤلاء إلى البرلمان، وبالتالي فإن استكمال العملية يكون بحجز مقعد لهم في السلطة التنفيذية أيضاً.
في النتائج، حين تحين ساعة الإفراج عن الحكومة، سيحقق نصر الله ما يريده داخلياً. هي لعبة «البلياردو» التي ستقود، أولاً، إلى الاعتراف بهؤلاء كحالة سياسية مناوئة للحريرية السياسية، وستقود ثانياً إلى تمثيلهم بطريقة أو أخرى، ذلك أن رسالة نصر الله المضادة لرسالة عون وصلت، وفهمها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي حوّل تعبير عقدة سنية – شيعية إلى عقدة وطنية، وتقدّم الصف الأمامي في البحث عن حل. وإعلان الحريري أنه قدّم أقصى ما عنده ولن يكون بمقدوره التنازل من حصته السنية، سيجعل المخارج ضيّقة ومحصورة بأن يكون الوزير من حصة رئيس الجمهورية، الأمر الذي سيقود، ثالثاً، إلى ضمان عدم وجود «ثلث معطل» لدى فريق سياسي واحد.
على أن كلام نصر الله لم يكن موجهاً للداخل اللبناني وحده، لا بل إن المستهدف منه هو «الخارج» الذي يخوض ومحوره المواجهة معه، حيث لا بد من استخدام كل الأوراق المتاحة. والإفراج عن تأليف الحكومة هو إحدى الأوراق. ففي نظر القريبين من «الحزب» أن وقائع الإقليم والمنطقة اليوم مختلفة تماماً عمّا كانت عليه عشية التكليف. واليوم ثمّة وقائع حاكمة تتمثل بالاندفاعة الأميركية حيال إيران وأذرعها العسكرية، والتي تسير في منحى تصاعدي بشكل متسارع ومرشحة لمزيد من التوسّع على مستوى العقوبات الأميركية، وعلى مستوى محاولات محاصرة نفوذها واستبعادها حيث أمكن في إطار الحلول السياسية، سواء في العراق أو سوريا، أو على مستوى إضعاف حلفائها عسكرياً، كما هو جارٍ في اليمن، ذلك أن معركة استعادة الحديدة وحتى صنعاء من الحوثيين لا تعوقها القدرة العسكرية للتحالف بل القرار السياسي الدولي.
وإذا كانت القنوات الخلفية للتفاوض بين إيران والولايات المتحدة مفتوحة مباشرة أو بالواسطة، فإن العنوان الرئيسي الذي يفرض نفسه بقوة على الطاولة لا يتناول الاتفاق النووي الإيراني بحلته الجديدة بقدر ما يتناول نفوذ إيران وأذرعها العسكرية والصواريخ البعيدة المدى التي تحولت مشكلة لحلفاء أميركا في الخليج كما لإسرائيل. ومن هنا يتوقع أن تشهد قنوات التفاوض، التي تكتسب طابعاً تقنياً وعسكرياً، أشهراً عدّة من شدّ الحبال قبل أن ترشح أي نتائج يمكن معها أن تنتقل إلى المستوى السياسي، ومعها سيمارس كل طرف ما لديه من أوراق قوة سواء في الفعل أو في ردات الفعل!.