بعدما عولجت العقدة «القواتيّة» بالتي هي أحسن، لم تعد ولادة الحكومة تحتاج سوى لمسات أخيرة، أهمها اللمسة الحاسمة على التمثيل السنّي الذي يرفض الرئيس المكلف «تطعيمه» بمقعد للسنة المستقلين يُقتَطع من حصته، فيما يريد رئيس مجلس النواب نبيه بري و»حزب الله» لهذا التمثيل أن يكون معبّراً عن توازنات المجلس النيابي المنتخب منذ أشهر.
بقيت العقدة السنية مهملة طوال الأشهر الماضية، وكأنّ من يتولّى «هندسة» تركيبة الحكومة الجديدة كان يفترض في قرارة نفسه أنها «وهمية»، أو أقله أنّ حلّها سهل وفي متناول اليد.
ظل هذا الاعتقاد سائداً في مطبخ التأليف، حتى أطلق الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أخيراً إشارة واضحة الى انّ «الحزب» يتمسّك بتمثيل النواب السّنة الذين لا ينتمون الى تيار «المستقبل»، موحياً أنّ الحكومة لن تؤلّف من دونهم.
بالتزامن، كان بري يؤكد صراحة انّ من حق هؤلاء النواب ان يتمثلوا بوزير واحد، كاشفاً أنه نصح الحريري منذ بداية المفاوضات بأن يمنحهم مقعداً من حصته.
وهكذا اكتملت «الحصانة السياسية» لمطلب اللقاء التشاوري الذي يضمّ 6 نواب سنّة «مُتمايزين» بالمشاركة في الحكومة الجديدة، بل سرعان ما تبيّن انّ الثنائي الشيعي مستعد لاستخدام حق النقض «الفيتو» للحؤول دون صدور مراسيم التأليف خالية من «دسم» حلفائه.
«إستحقّها» الحريري في اللحظات الحاسمة، واكتشف ان ّتقديراته السابقة حول «هزالة» العقدة السنية لم تكن في محلها. لكنّ ذلك لم يكن كافياً لدفعه الى التراجع عن رفضه التام لمنح لقاء النواب الستّة مقعداً وزارياً من حصته، متسلّحاً بالمنطق القائل انّ هؤلاء النواب لا يشكلون كتلة صافية وحقيقية، بل انّ غالبيتهم تتوزّع على كتل نيابية موجودة، ولكن تمّ تجميعهم ضمن لقاء سياسي مصطنع لتبرير توزيره، وبالتالي خرق الحصة السنية لرئيس الحكومة.
امّا بالنسبة الى «حزب الله»، فإنّ هذه المجموعة من النواب تمثّل وفق أرقام صناديق الاقتراع شريحة وازنة من الطائفة السنية، الأمر الذي لا يجوز تجاهله عند تأليف الحكومة، لأنّ مجلس الوزراء الذي هو مركز القرار يجب ان يعكس النسيج السياسي اللبناني استناداً الى نتائج الانتخابات النيابية، «وإلّا أي معنى وقيمة لتلك الانتخابات إذا كان المطلوب القفز فوق حصيلتها وعدم الارتكاز عليها عند تكوين السلطة؟».
ويؤكد «الحزب» انّ إصراره على مشاركة النواب السنّة غير المنتمين الى «المستقبل» في الحكومة المقبلة هو موقف مبدئي ونهائي، ينطلق من ضرورة احترام المعايير الواحدة في التأليف، بعيداً من المزاجية والاستنسابية.
وفي المعلومات، انّ كتلة «الوفاء للمقاومة» كانت قد طرحت على الرئيس المكلف منذ بدايات تكلفيه وجوب تمثيل النواب السنّة المتمايزين عن تياره، وتحديداً خلال لقائها به في إطار المشاورات الأولية التي أجراها في المجلس النيابي. وبالتالي، فإنّ هذا المطلب ليس مُستجداً أو مفتعلاً، إلّا انّ «الحزب» كان يَتجنّب المُجاهرة به علناً وبصوت مرتفع، لكي يسهّل مهمة الحريري وحتى لا يُتّهم بعرقلة التأليف.
وخلافاً لِما شاع في بعض الأوساط خلال الساعات الماضية، فإنه لم يكن مطروحاً للحظة لدى الحزب أن يتنازل عن أحد مقاعده الوزارية الثلاثة لمعالجة العقدة المتبقية، عبر مقايضة مقعد شيعي بآخر سنّي مع رئيس الجمهورية. أولاً، لأنه يعتبر أنّ من حق النواب الستة ان يتمثّلوا ضمن «الكوتا السنيّة» المحددة في الحكومة. وثانياً، لأنه يعتبر أنّ هامش قدرته على تقديم التضحيات والتنازلات في السلطة قد انعدم تقريباً بعدما اتخذ قراراً مفصلياً بتفعيل حضوره في الدولة من أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة لبيئته الحاضنة، وتعزيز موقعه في معركة مكافحة الفساد التي باتت أولوية له في المرحلة المقبلة.
كما انّ «الحزب» بات أشد تمسّكاً بالحصول على حصة وزارية كاملة في هذا التوقيت، لِما ينطوي عليه ذلك من دلالة سياسية في مواجهة الضغوط الاميركية المتصاعدة الرامية الى محاصرته أو تقليص حجمه قدر الامكان في الحكومة.
ولكن، الى أين من هنا ما دام بري و»حزب الله» لن يتخلّيا عن الحلفاء السنّة مهما كلّف الأمر، والحريري لن يمنحهم مقعداً وزارياً من حصته؟
تُعرب مصادر مطّلعة عن اعتقادها أنّ المخرج الممكن والواقعي يمر في قصر بعبدا، حيث انّ الرئيس ميشال عون الذي هو «بَيّ الكل» يستطيع أن يسمّي وزيراً سنياً ينتمي الى المجموعة المستقلة عن تيار «المستقبل»، على قاعدة انه يُفترض أن تكون إحدى وظائف حصته الوزارية معالجة العقد وترميم التوازنات… فهل يفعلها عون أم هناك خيار آخر محتمل؟