«بدك ما تواخذنا يا سيّد حسن»، فقد استجدّ مستجدّ، لذا سنؤجل لهامش الغد «قضية المحمل المصري»، ثم نلحقه بهامش «نبش القبور» المدوّي في كتبكم ومصادركم ومراجعكم وعلى لسان مرجعياتكم، وهو «اسوأ» بكثير مما تفعله «داعش»، وعن «هدم المسجد النبوي الشريف» على يد «مهديكم»، وهدم الكعبة المشرفة على يد مهديكم أيضاً، الذي سيقتل تسع أعشار الناس، ولكن؛ وقبل هذه كلّها «سمحلنا يا سيّد حسن»؛ لأنّ اعتمادكم سياسة تزوير التاريخ أخذت طريقها إلى المقالات الصحافية مع أسماء «مستشرقين» و»كتابٍ أميركيين»، كان لا بُدّ لنا، من فضح هذا التزوير بعدما تلقيتُ ومن أكثر من مصدر من أصدقاء وقرّاء، مقالاً حمل عنوان «آل سعود: مملكة الدم والهدم والخوف» تم نشره موقع قناتكم «المنار» رأس إعلامكم الحربي المسموم في الهجوم على المملكة العربية السعوديّة، ولأننا وقعنا على فضيحة تاريخية كبرى استند إليها هذا المقال ومن واجبنا الإشارة بالإصبع إلى عدم اكتفائكم بتزوير تاريخ العام 1926، بل على اعتمادكم على «جواسيس الغرب» في تزييف الحقائق وإخراج التاريخ من سياق روايته!!
وأوّل ما نتوقف عنده في المقال الذي نشرته قناة المنار في إطار الشحن والتحريض ضد المملكة العربية السعودية نقله كل معلوماته عن «المستشرق الكتلاني، المعروف باسم «علي باي العباسي»، ونتساءل: من هو علي باي العباسي هذا الثّقة الذي لم يجد المقال مصدراً مهماً سواه للتباكي على هدم مقامات وأضرحة كربلاء في 20 نيسان 1802، من دون أدنى ذكر لكونها في ذاك الوقت تحت الحكم العثماني، وأمام تجاهلٍ تام لحقبة تاريخية رزح العالمين العربي والإسلامي خلالها تحت سلطة الحكم العثماني، ولم ينتهِ إلا بانتهاء الحرب العالميّة الأولى عام 1918، فمن هو هذا المستشرق العظيم الذي اعتمدته المقالة راوياً أميناً للأحداث؟
«دومينغو فرانثيسكو باديا»، هذا هو الاسم الحقيقي للجاسوس الإسباني، وهذه حكايته: ولد دومينغو في 1 نيسان 1767، في برشلونة ? وتوفي مسموماً عام 1818 في دمشق، ختن دومينغو نفسه في لندن على يد طبيب يهودي، ثم اتجه إلى المغرب متنكراً في زي عربي، متسمياً بلقبه «علي باي العباسي»، مدعياً أنه من الشرفاء أحفاد رسول الله، وأنه من مواليد حلب بالشام، وكان هدفه إقناع السلطان المغربي المولى سليمان بن محمد بقبول الحماية الإسبانية، وذلك درءاً لخصومه الطامعين من الفرنسيين والإنكليز، وإذا فشل هذا المخطط فإنه سيلجأ إلى دعم بعض الثوار لإيقاد فتنة داخلية تساعد على إضعاف المغرب وتسهل احتلاله على الإسبان، وقد كان هذا المخطط مدعوماً من طرف الملك الإسباني كارلوس الرابع، كما أنه فيما بعد عرض مشروعه لاحتلال المغرب على نابليون بونابرت، وكان ذلك في 10 اريار سنة 1808…
وتعتبر المحطة الأكثر أهمية في رحلة دومينغو التجسّسية هي الحج إلى مكة، حيث أصبح بذلك أول إسباني غير مسلم يضع قدمه في هذه الأرض المقدسة، وباعتراف من المستكشف الإنكليزي ريتشارد بيرتون بأنّ دومينغو باديا كان الأكثر دقة من بين مستشرقيْن إيطالي وبرتغالي سبقاه في دخول مكة ـ منتحليْن صفة مسلميْن ـ في وصف الموقع الجغرافي ورسم شكل الأماكن المقدسة، وعاد بعدها إلى قرطبة وتسلم رئاسة بلدية قرطبة من قبل جوزيف بونابرت، فأدخل زراعة بنجر السكر والقطن والبطاطا، واستمر في منصبه مدة 15 شهرا حتى 14 تموز 1811، وفي عام 1816 انتشر مطبوع عمله Travel of Ali-Bey في ربوع أوروبا، والتي جمعت أسفاره في العالم العربي بين 1803 و1807، نشرت في مجلدين في إنكلترا وألمانيا وفرنسا، سنة 1818، بعد تغيير اسمه إلى الحاج علي أبو عثمان ذهب إلى دمشق. ورغم مغادرته باريس باسم علي عثمان تم اكتشافه من قبل أجهزة الاستخبارات البريطانية في دمشق ودسّوا له السمّ فقتلوه.
لم يجد كاتب المقال خيراً من جاسوس يعتمد عليه لرواية تدمير الوهابيين للأضرحة في كربلاء، ولم يجد أيضاً سوى إنكليزي هو «إلدون راتر»، قيل إنه «اعتنق الإسلام»، وبعد البحث تبيّـن أنّه الرحالة الانكليزي «إلدون راتر» الذي وصف رحلته التي استمرت مدة عام بدأها في 25 أيار عام 1925م من القاهرة إلى اليمن ثم إلى مكة المكرمة مرورا ببرك وحلي والقنفذة والليث ثم غادر مكة المكرمة بعد الحج متوجها نحو الطائف ثم إلى المدينة المنورة، وقد جعل المؤلف رحلته في جزأين أولهما عن رحلته من القاهرة إلى مكة المكرمة وتنتهي بمغادرة مكة المكرمة متوجها إلى الطائف وثانيهما عن رحلته إلى الطائف وعودته إلى مكة المكرمة ثم مغادرته الثانية والأخيرة إلى المدينة المنورة، وثالث هو أميركي صاحب كتاب «مملكة الكراهيّة»، الذي ترجم إلى العربيّة تحت عنوان «الجمل»!!
ولكن؛ «ما لنا يا سيّد حسن ومال ما تنقله قناتك» من مقالات صحافية تعتمد على معلومات جواسيس الاستعمار، وما لنا وما لأخبار هدم الأضرحة والمساجد منذ أكثر من قرنيْن من الزمان، فلا الحرم المكيّ المكرّم تعرّض لاعتداء منذ دخل الحرمين في سلطة المملكة العربية السعودية إلا على يد «محمد عبدالله العتيبي» الذي هاجم ومجموعته الحرم المكي عام 1400 هجرية، وانتهكوا حرمة الكعبة المشرفة، وأنتم تسمونّهم «أولياء الله الصالحين»، وسبق وانتهك الحرم على يد القرامطة وهي واحدة من فرقكم الكثيرة، فاقتلعوا «الحجر الأسعد» واقتلعوا باب الكعبة المشرفة وقتلوا الحجيج ورموهم في بئر زمزم.
فتعال يا سيد حسن لنتحدّث في المستقبل، في هدم الكعبة المشرفة في المستقبل وكسر المسجد النبوي الشريف في المستقبل تعال ومن دون أن نتحدّث عن تكفير «داعش» للمسلمين وتكفير «الوهابية» للمسلمين، وعن الكفر التكفيري برمّته، ما رأيك يا سيّد حسن لو نتحدّث عن تكفير كلّ المسلمين في المذهب الإثني عشري، فكركم ومذهبكم، ما رأيكم يا سيّد حسن بهذا النص التكفيري: «يقول أبو جعفر الطوسي «اختيار معرفة الرجال» [ص: 198] عن يثم قال: ألا أحدثكم بحديث عن الحسين بن علي؟ فقلت: بلى. قال: دخلت عليه وسلمت.. إلى قوله: يا حبابة إنه ليس أحد على ملة إبراهيم في هذه الأمة غيرنا وغير شيعتنا، ومن سواهم منها براء»…
وللحديث تتمة في الذي أجلناه من اليوم الغد وما بعده…