من المرجح ان تمر الايام المقبلة على قصر بعبدا من دون ان يتغير شيء. لا حل في الافق، على الرغم من تتالي التسويات والصفقات السياسية للاتيان برئيس. ومع اقتراب يوم 28 ايلول موعد الجلسة الخامسة والاربعين لانتخاب رئيس للجمهورية، وحدهم اللبنانيون يدفعون ثمن الانتظار.
يكاد يتحول احتلال «حزب الله» السياسي لكافة مؤسسات الدولة الدستورية الى مرض مزمن يقبض على روح الحياة والاستمرارية فيها. وفيما يغرق الحزب في مأزقه العسكري في سوريا، يعوّم نفسه بتكبيل اي مبادرة سياسية لبنانية وتجميد اي مسعى لانهاء الفراغ الرئاسي وعدم المبادرة لاي خطوة بامكانها الدفع بهذا الاتجاه، تاركا لبنان غارقا بمآزقه السياسية والاقتصادية
والدستورية.
سنتان ونصف السنة مرت، غزا خلالها «حزب الله» موقع رئاسة الجمهورية مرارا، عطّل جلسات الانتخاب الثلاث والاربعين، رفض التعاون مع اي مبادرة متخليا عن اقرب حلفائه الذي حاز على اغلبية اصوات المقترعين بحجة «وعده الصادق» للنائب ميشال عون، حوّل قاعة مجلس النواب الى مكان مشلول فاقد للحياة ولقدرته على القيام بابسط واجباته التشريعية، استنسخ سياسة التعطيل نفسها ونقلها الى مجلس الوزراء الذي بات عاجزا عن اتخاذ اي قرار او حتى الانعقاد بمعزل عن موافقة الحزب، ليبقى السؤال عن «اليوم الذي سيقرر الحزب الوفاء بوعده لعون واطلاق سراح موقع رئاسة الجمهورية» بلا جواب، وتبقى الاضاليل الذي يعمد الى بثها «بعبعا» يستخدمه بمواجهة التساؤلات العونية التي لم تعد تخفى، مضرجا وعوده لعون بخطابات لقادته على المنابر، كلما دعت الحاجة، تؤكد تمسك الحزب به.
يستفرد الحزب استفرادا تاما باللبنانيين، يعطل كل مفاعيل دورة الحياة الدستورية للدولة، يملي عليهم قراراته واراداته بكل وضوح، يشير بقبولها والا فالفراغ والهلاك والهريان. عمليا خرجت نياته الحقيقية الى العلن، وبنظرة واقعية الى المسار التعطيلي الذي انتهجه منذ شغور موقع الرئاسة وعمده الى تبني ترشيح عون، يتأكد يوما بعد يوم ان تمسكه بعون لا يعدو كونه «كلاما بكلام»، وان حرصه على ملء الشغور لا يتخطى عتبة تسجيل المواقف الفارغة من اي صدقية وحرص على الوطن. بين الفراغ والفراغ «يزرك» اللبنانيين، مطبقا على انفاس اي حل رئاسي وبالتالي حل شامل للازمة اللبنانية المتعاقبة منذ ما يقارب الثلاث سنوات. وفي ظل «تمترسه» خلف مواقفه التعطيلية، لا تزال المعادلة نفسها، تيار «المستقبل» يصرّ على حضور جميع الجلسات وتأمين النصاب الدستوري لانتخاب الرئيس، فيما الحزب يصرّ على مقاطعة كل الجلسات وتعطيلها ريثما يتم التوافق على انتخاب العماد ميشال عون رئيسا. في منطق الحزب انه هو المسهل والدافع بقوة لملء الشغور وتيار «المستقبل» يبقى معطلا بإشهاره الورقة الحمراء بوجه رئاسة عون.
ولكن تاريخ الحزب السياسي وتفاعله مع قضاياه الملحة و«استعجاله» في تنفيذها، تظهر خشونته المفرطة في العديد من الاحداث في التعاطي حيال معارضة حلفائه لطروحاته، وبما ان انتخاب عون رئيسا وكذلك ملء الفراغ الدستوري هما من اولوياته الاساسية، على ما يقول مرارا وتكرارا، فالحري به بدل التلطي خلف بثه للشائعات الكاذبة حول تبني «المستقبل» لترشيح عون، وتكبد عناء الوقوف على المنابر واطلاق التصاريح والمواقف الفاقعة في دعم عون حتى النهاية، ها هي الفرصة الخامسة والاربعون لاظهار نيته الصادقة بانتخاب رئيس اولا وبانتخاب النائب ميشال عون ثانيا قد اقتربت، وعليه، فليثبت للبنانيين جميعا كما لعون عن نياته الحقيقية في ايصاله الى رئاسة الجمهورية وليحضر جلسة 28 ايلول ويؤمن نصاب الجلسة المعطلة منذ سنتين ونصف السنة بفضل اعتكاف نواب الحزب عن الحضور واقناع حلفائه بانتخاب عون، والا فليكف عن اتهام تيار «المستقبل» بتعطيل انتخاب الرئيس بحجة عدم دعمه عون وكذلك استخدام تمسكه بعون كشماعة لتنفيذ مخططاته التي بدأت بتعطيل المؤسسات الدستورية اللبنانية وأولها رئاسة الجمهورية.. ومن يدري الى اين سيصل؟