IMLebanon

الإنتصار الأكبر لـ”حزب الله”

 

 

يتسابق المسؤولون والنواب في «حزب الله» والدائرون في فلكه، على إعلان «الانتصار بفك الحصار الأميركي» من بوابة المازوت الإيراني. في المقابل ترى جهات سياسية معارضة، أنّ «حزب الله»، في حال انتصر، فَبِكسر الحصار على إيران وسوريا وليس على لبنان، إذ إنّ البلد غير محاصر ولا يخضع لعقوبات. وبالتالي، في حال كان هناك من انتصار فهو للمحور الذي يتبع له «حزب الله» وللدولة التي يدين لها بالولاء وليس للشعب اللبناني، خصوصاً أنّ توقيت استقدام المازوت الإيراني أتى في وقتٍ لم يعد هناك من أزمة مازوت، بل بات متوافراً في السوق، ويُمكن لأيّ كان شراءه بسعره الفعلي بالدولار الأميركي».

هذه الخطوة التي يعتبرها «حزب الله» انتصاراً، وبمعزل عن أهدافها وغاياتها ووسائلها، إلّا أنّها أثبتت قدرة الحزب على استيعاب مختلف المواجهات وخوضها. أمّا «الانتصار الأكبر» الذي تمكّن «حزب الله» من تحقيقه، فيكمن بتأليف الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي.

 

إذ إنّ ولادتها في هذا التوقيت أبطَلَت اعتذار ميقاتي، واتجاه السنّة على صعيد مرجعيات الطائفة السياسية والروحية الى مقاطعة التكليف والتأليف ورفع الغطاء عن أي شخصية سنية تُكلّفها الأكثرية النيابية المتمثلة بـ»الثنائي الشيعي» و»التيار الوطني الحر» وحلفائهم.

 

وهذا الخيار كان مطروحاً جدّياً، انطلاقاً من أنّ اعتذار 3 شخصيات مكلّفة تأليف الحكومة على التوالي في عهد رئيس الجمهورية نفسه يعني استهدافاً للطائفة السنّية وعملاً مُمنهجاً للسيطرة على موقع رئاسة الحكومة من خلال تطويع رئيس الوزراء، أو الإتيان برئيس حكومة تابع لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار» جبران باسيل أو لـ»حزب الله» أو الاثنين معاً. ولو حصل هذا السيناريو، لكان ذلك أدّى الى مواجهة مفتوحة مع «حزب الله» كانت ستولّد توتّراً بين الشارعين السنّي والشيعي، مع ما يحمله ذلك من سيناريوهات تبدأ بغليان الشارع وفوضى وإشكالات لا يعرف أحد أين تنتهي، بحسب ما ترى جهات سياسية معارضة.

 

وكان قد طُرح فك ارتباط السنّة مع السلطة الحالية لدى اعتذار الحريري، لكن جرى اعتماد خيار تَبنّي ترشيح ميقاتي لرئاسة الحكومة وثمّ تكليفه ودعمه في التأليف، حرصاً على «السلم الأهلي»، خصوصاً في مرحلة انهيار، ومحاولة لإعادة البلد الى سكة النهوض والحياة، على رغم الموقف السياسي المعروف من «الحزب» واتهامه بإيصال البلد الى ما وصل إليه جرّاء سلاحه ودوره في المنطقة واستهدافه للدول الخليجية، وفي مقدّمها السعودية، وبالتالي تعكير صفو العلاقات التاريخية للبنان مع الدول العربية والخليجية.

 

وبخروج السنّة من المواجهة مع «حزب الله» سقطت إمكانية قيام حالة أو جبهة وطنية عارمة في مواجهته، خصوصاً أنّ الدروز ساروا في الاتجاه نفسه مع دخول رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في تسوية مع الفريق الحاكم أي العهد و»الحزب»، فيما يحظى «الحزب» بغطاء مسيحي من خلال تحالفه مع فريق عون – باسيل، الذي لا يزال حتى الآن الأقوى مسيحياً على صعيد السلطة، بما فيها مجلس النواب.

 

وبذلك حقّق «الحزب» انتصاراً إضافياً في هذه المرحلة بمنع بروز أي مواجهة داخلية حقيقية وجدّية له، وهو يعوّل على حكومة ميقاتي أيضاً لمنع بروز أي مواجهة خارجية جدّية له بسبب عرقلته التأليف أو أي اتهامات أخرى قد توجّه إليه، خصوصاً أنّه مصنّف حزباً إرهابياً من أكثر من دولة. وفي هذا الوقت لم يقدّم «الحزب» أي تنازلات من «كيسه»، بما فيها الحكومية. ولم يغيّر «شعرة» في مواقفه ووجوده العسكري في المنطقة وارتباطه بإيران، بل يؤكّد اتصاله بطهران أكثر، من خلال بواخر المازوت والبنزين فضلاً عن الأموال التي يتلقاها منها سنوياً والدعم العسكري والتسليحي.

 

فلماذا اتخذ السنّة، ومنهم رئيس تيار «المستقبل»، هذا الخيار؟ لماذا يمنح الحريري ثقته لميقاتي؟ ولماذا لم يدخل في مواجهة فعلية مع «الحزب» خصوصاً بعد فشل التسويات منذ 2005 حتى الآن؟ ولماذا لا يلاقي الحريري رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بمقاطعة هذه السلطة وعدم المشاركة معها أو تغطيتها؟ هذا لأنّ لا خيار آخر أمامه، بحسب جهات مطّلعة، فلا دعم خارجيًا لمواجهة «الحزب» و»لا مؤازرة سعودية للحريري».

 

من جهتها، تقول مصادر قيادية في «المستقبل»: «لا شك في أنّ تجربة التعايش مع «حزب الله» فشلت، فهذا الحزب لا يمكن التعايش معه، لكنّ البديل هو الانسحاب الكامل من السلطة، وهذا الامر جَرّبه المسيحيون عام 1992 وأدّى الى إقصائهم، فالعالم يتعامل مع الأمر الواقع ومع الفريق الموجود في السلطة، والدليل أنّ بشار الأسد عُوِّم لأنّه موجود في السلطة. وبالتالي، هناك خياران: إمّا الحفاظ على بعض الوجود في السلطة، وإمّا المواجهة الكاملة، والتي ستكون مع ميليشيات مسلّحة وليس بالسياسة فقط. ولو كان هناك قوى لبنانية مستعدة وقادرة على هذه المواجهة لكنّا دخلنا في الحرب الأهلية».

 

وتُذكّر هذه المصادر أنّ «تجربة التعايش مع «حزب الله» لم تقتصر على تيار «المستقبل» فقط، بل شاركت فيها «القوات» أيضاً، منذ التحالف الرباعي عام 2005، الى المشاركة في حكومات مع «حزب الله» وفي مجلس النواب الذي يضمّه. وبالتالي، هذا الواقع انسحب على جميع اللبنانيين». وتعتبر أنّ «ما جعل «القوات» تخرج من هذه التركيبة ليس لمواجهة «حزب الله»، بل لأنّ باسيل خانَها بعد الاتفاق على تقاسم السلطة».

 

ما يعني أنه، على رغم الإمتعاض السنّي الذي ظهر من تركيبة الحكومة، كما رأى البعض، إن من خلال كلام رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة أو من خلال عدم حضور الحريري ورئيس الحكومة الأسبق تمام سلام جلسة منح الثقة للحكومة في مجلس النواب، إلّا أنّ الخيار السنّي الآن، والمتمثّل بدار الفتوى ونادي رؤساء الحكومات السابقين وتحديداً الحريري، هو دعم ميقاتي، وبالتالي حكومته وتعامله مع «حزب الله». وأوّل ترجمة لذلك منح كتلة «المستقبل» النيابية الثقة للحكومة.