خسرَ “حزب اللّه” كلّ شيء إلّا مفردات “النصر” ! بين ضاحية منكوبة وأحلام مسلوبة، تجرّع سمّ اتّفاق مع إسرائيل كان على حياة أمينه العام السابق السيّد حسن نصرالله مستحيلاً.
وعلى وقع اجتياح الدبابات مدينة الخيام الجنوبية، رضيَ “حزب اللّه” بالعودة إلى ما وراء الليطاني، مُجرّداً من سلاحه الثقيل، فاصلاً جبهة لبنان عن جبهة غزة، موافقاً على بقاء الجيش الإسرائيلي في الجنوب لمدة 60 يوماً.
رضيَ “حزب اللّه” بهذه الشروط، التي لم يرضَ بأقلّ منها قبل حرب الإسناد، مكبّداً لبنان خسائر تفوق الـ 10 مليارات دولار، مشرّداً بيئته، مقدّماً شهداء لم تُساهم دماؤهم بتحرير شبر أو بتحصين قرية أو بنُصرة قضية. وافق على عدم مجابهة إسرائيل تحت القصف، في الوقت الذي طالبه قسم كبير من اللبنانيين بوضع استراتيجية دفاعية لمجابهة إسرائيل، لكنّه لم يرض. ورضيَ تحت القصف بتسليم سلاحه الثقيل لإيران أو لغيرها، لكنّه رفض تسليم السلاح إلى الجيش اللبنانيّ! كيف سيُقنع الحزب جمهوره بأنه انتصر في حال وُقّعت التسوية بين لبنان وإسرائيل؟ يُجيبني صديق، عالمٌ في السياسة وخبير في حياكة السرديات: “الحزب انتصر ولكن ليس على إسرائيل، بل على اللبنانيين.
“الحزب” استطاع قتل الحلم عند الشيعة في لبنان وقتل “المستقبل” عند السنّة. “الحزب” هجّر المسيحيين والدروز الهاربين من جحيم الموت واليأس الموروث، لكنّه اعترف بالهزيمة أمام التكنولوجيا الإسرائيلية، وأقرّ بحق سكان شمال إسرائيل بالعودة إلى ديارهم غير المهدّمة سالمين آمنين إلى أبد الآبدين. “الحزب” انتصر على الجيش اللبناني، فانتقده وشكّك بقيادته، في حين أمّنَ للقوات الدولية وأصرّ على وجود الجيش الفرنسي كقوة عسكرية ضامنة لمخاوفه. انتصر “حزب اللّه” على الشهداء وعلى المشرّدين وعلى بناء دولة المؤسسات في تباهيه بأنه لن يسلّم سلاحه…”.
ويقول صديقي العليم: “أي سلاح؟ السلاح الخفيف الذي بقيَ لتحقيق أهداف إسرائيل بالاقتتال الداخلي”. غداً سيجلس المرشد على كرسيّ الألوهة ويأمر “المقاومين” بتغيير البوصلة. غداً ،سنصبح “صهاينة” الداخل هدفاً لمن يطمعون بأرضنا وبيوتنا وتاريخنا، وستعود “طريق القدس لتمرّ بجونيه”.
كيف سيقنع “الحزب” غداً بيئته بأن الشهداء لم يسقطوا فداء عن إيران؟ أي قدس سيتحدث عنها وهو خسر القضية تحت قوة النار؟ وأين لبنان من كل مشروعه؟ كيف ومتى سيعود النازحون إلى قراهم؟ ومن سيدفع ثمن الدمار والموت والتعذيب؟ انتصر “حزب الله” على اللبنانيين في جعلهم يدفعون ثمن رفضهم جبهة الإسناد، وفي مطالبته بالتفكير لبنانياً وعدم جرّ الجميع إلى أتون إسرائيل.
وانتصرت إسرائيل في فرض شروطها وتأمين حدودها وضرب أحلام إيران… ويخرج عليك من يقول انتصرنا. إنها مفردات النصر المكتوب حتى قبل انطلاق الحرب، والموقّع بـ “حبر سماويّ” لا نراه نحن غير المؤمنين به. لكنّها الهزيمة بأم عينها، والنهاية الحتمية لمشروع لم ولن يكتمل، هزَم لبنان عمداً ونصر إسرائيل تحت شعارات واهية كان آخرها “على طريق القدس”.